القلوب بأخذه السمع والبصر، فدلّ هذا على أنّ الختم على القلب هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه، كما لا ينتفع بالسمع والبصر مع أخذهما، وإنّما يكون ضيقه بألّا يتّسع لما يحتاج إليه من النظر والاستدلال الفاصل بين الحقّ والباطل. ومن ذلك قوله تعالى: «١» وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام/ ١٢٥] فهذا كلام كالمثل، أي: من يستحقّ الإضلال عن الثواب يجعل صدره ضيّقا في نهاية الضيق لما كان القلب محلا للعلوم والاعتقادات بدلالة قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها [الأعراف/ ١٧٩] [فوصفه] «٢» بالضيق وأنّه على خلاف الشرح والانفساح دلّ «٣» أنّه لا يعي علما ولا يستدلّ على ما أريد له ودعي إليه، كما وصف الجبان بأنّه لا قلب له، لمّا أريد به المبالغة في وصفه بالجبن، لأنّ الشجاعة محلها القلب، فإذا لم يكن القلب الذي يكون محلّ الشجاعة لو كانت فألّا تكون الشجاعة أولى.
ومن ثمّ قالوا في النعامة: «٤» جؤجؤه هواء، أي ذو هواء، فهو فارغ من القلب، فهذا كما وصفوها بالشّراد لجبنها فقال:
(٢) كذا في (ط)، وفي (م): فوصف.
(٣) في (ط): دل على أنه.
(٤) في (ط): في الظليم. والنعامة يذكر ويؤنث. والجؤجؤ، كهدهد:
الصدر. ويشير المؤلف إلى قول زهير في ناقته:
كأن الرحل منها فوق صعل | من الظلمان جؤجؤه هواء |