فقال: كذب العير، فإنّه يطعن وإن برح، فجعل تقديره انتفاء الطعن عنه كذبا منه، فهذا الأصل في هذه الكلمة، وليس كما ذكر بعض رواة اللغة أنّ كذّب يجيء زيادة في الحديث.
فأمّا قول عنترة:

كذب العتيق وماء شن بارد إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي
«١» فإن شئت قلت فيه: إن المعنى في «كذب» أنّه لا وجود للعتيق الذي هو التمر، فاطلبيه، وإذا لم تجدي التمر فكيف تجدين الغبوق؟
وإن شئت قلت: إن الكلمة لما كثر استعمالها في الإغراء بالشيء والبعث على طلبه وإيجاده صار كأنّه قال بقوله لها:
عليك العتيق، أي: الزميه، «٢» ولا يريد بها نفيه، ولكن إضرابها عما عداه، فيكون العتيق في المعنى مفعولا به، وإن كان لفظه مرفوعا مثل: سلام عليك ونحوه مما يراد به الدعاء، واللفظ على الرفع.
وحكى محمد بن السريّ عن بعض أهل اللغة- في كذب العتيق- أنّ مضر تنصب به. وأن اليمن ترفع به، وقد تقدم ذكر وجه ذلك.
ومن الكذب الذي ليس في الإخبار كقوله: كذب
(١) نسبه اللسان: كذب. إلى عنترة أيضا، ونسبه الكتاب «٢: ٣٠٢» إلى الخزر بن لوذان. والشن: القربة البالية، وماؤها أبرد من ماء القربة الجديدة. والغبوق: شرب العشي. انظر ديوان عنترة/ ٢٧٣ والخزانة ٣/ ٩.
(٢) في (ط): بالعتيق فالزمية.


الصفحة التالية
Icon