وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ [المائدة/ ٤١] فكما أن يحرفون في هذه الآية صفة لقوله: سَمَّاعُونَ كأنه قال: ومن الذين هادوا فريق سمّاعون للكذب، أي: يسمعون ليكذبوا فيما يسمعونه منه، ويحرّفونه عنه، سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك، يحرفون الكلم.
فكما أن يحرفون هنا، صفة لقوله: سَمَّاعُونَ، كذلك يكون في الآية الأخرى. فإن قلت: فلم لا يكون حالا من الضمير الذي في قوله: لَمْ يَأْتُوكَ؟ فإن ذلك ليس بالسهل في المعنى، ألا ترى أن المعنى: ومن الذين هادوا فريق يسمعون من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليكذبوا فيما يسمعونه، ويحرفون بكذبهم فيه، فإذا كان كذلك لم يكن حالا من الضمير الذي في «١»: لَمْ يَأْتُوكَ، لأنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا، فإذا كان كذلك، كان وصفا ولم يكن حالا، وتكون «٢»، يحرفون: على قياس ما قلناه، في قوله: وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً، مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ [النساء/ ٤٥ - ٤٦] حالا من الضمير الذي في اسم الفاعل، كأنه: سمّاعون محرفين للكلم، أي: مقدرين تحريفه، كقوله: معه صقر صائدا به غدا. وهَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة/ ٩٥] وقد يجوز أن يكون التحريف المعنيّ بقوله:
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النساء/ ٤٦] ما كانوا يقصدونه في قولهم: راعِنا [البقرة/ ١٠٤] من السّب، وخلاف ما يقصده المسلمون، إذا خاطبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من المراعاة. قال «٣» أبو زيد: «قال الصّقيل: ما كلّمت فلانا إلا

(١) سقطت من (ط).
(٢) في (ط): ويكون.
(٣) في (ط): وقال.


الصفحة التالية
Icon