قوله: ولا تقبل لاتفاق الجميع في أن ذلك تأنيث غير حقيقي. وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل كما رأيت.
ومما يقوّي التّذكير أنه قد فصل بين الفعل والفاعل بقوله: مِنْها. والتذكير يحسن مع الفصل، كما حكي من قولهم: حضر القاضي اليوم امرأة. فإذا جاء التذكير في الحقيقي مع الفصل فغيره أجدر بذلك. فأما ما قاله أحمد بن يحيى: من أن التذكير أجود لقول ابن مسعود: «ذكّروا القرآن» فإنّ قول ابن مسعود لا يخلو من أن يريد به التذكير الذي هو خلاف التأنيث، أو يريد به معنى غير ذلك «١». فإن أراد به خلاف التأنيث، فليس يخلو من أن يريد «٢»: ذكّروا فيه التأنيث الذي هو غير حقيقي، أو التأنيث الذي هو حقيقي، فلا يجوز أن يريد التأنيث الذي هو غير حقيقيّ لأن ذلك قد جاء منه في القرآن ما يكاد لا يحصى «٣» كثرة، كقوله: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ [الأنعام/ ٣٢] وكقوله: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ [الحج/ ٧٢] وقوله «٤»: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة/ ٢٩] و: قالَتْ رُسُلُهُمْ [إبراهيم/ ١٠] و: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة/ ٧] وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق/ ١٠] وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [المؤمنون/ ٢٠] يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ [الرعد/ ١٢].
فإذا ثبت هذا النحو في القرآن على الكثرة التي تراها، لم يجز أن يريد هذا. وإذا لم يجز أن يريد ذلك، كان إرادته به

(١) قال في اللسان (ذكر) وفي الحديث: القرآن ذكر فذكروه، أي أنه جليل خطر فأجلّوه.
(٢) في (ط): يريد به.
(٣) في (ط): ما لا يكاد يحصى.
(٤) في (ط): وقوله تعالى.


الصفحة التالية
Icon