التأنيث الحقيقيّ أبعد، كقوله: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ [آل عمران/ ٣٥] وقوله: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ [التحريم/ ١٢] وكانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما [التحريم/ ١٠] وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ [القصص/ ١١].
فإن قلت: إنّما يريد: إذا احتمل الشيء التأنيث والتذكير، فاستعملوا التذكير وغلّبوه. قيل: هذا أيضا لا يستقيم، ألا ترى أن فيما تلونا: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ وكَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فأنّث مع جواز التذكير فيه، يدلك على ذلك قوله في الأخرى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر/ ٢٠] وقوله: مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً [يس/ ٨٠] ولم يقل: الخضر ولا الخضراء، وقوله: السَّحابَ الثِّقالَ ولم يقل: الثقيل، كما قال: مُنْقَعِرٍ. فهذه المواضع يعلم منها أنّ «١» ما ذكرت ليس بمراد ولا بمذهب. فإذا لا يصحّ «٢» أن يريد بقوله: «ذكّروا القرآن». التذكير الذي هو خلاف التأنيث، وإذا لم يرد ذلك، كان معنى غيره. فممّا يجوز أن يصرف إليه قول ابن مسعود، أنه يريد به الموعظة والدعاء إليه، كما قال: فذكر بالقرآن من يخاف وعيدى «٣» [ق/ ٤٥] إلا أنّه حذف الجار، وإن كان قد ثبت في الآية، وفي قوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم/ ٥] على القياس الذي ينبغي أن يكون عليه، ألا ترى أنك تقول:
ذكر زيد العذاب والنار. فإذا ضعّفت العين، قلت: ذكّرت زيدا

(١) في (ط): أن منها أنّ.
(٢) في (ط): فإذا لم يصح لم يصح.
(٣) وعيدي: قراءة ورش، بإثبات الياء في الوصل (الكشف ٢/ ٢٨٦ والنشر ٢/ ٣٧٦).


الصفحة التالية
Icon