والقول في ذلك أنّ ما كان على أربعة أحرف لا تدخله تاء التأنيث في التحقير كما يدخل عامة ما كان على ثلاثة أحرف، وكأنّ الحرف الأصل قام مقام الزائد، كما قام مقامه في قولهم لم يغز، ولم يخش ولم يرم، ألا ترى أن هذه اللامات حذفت كما تحذف الحركات للجزم، وأما دخولها على قديديمة، ووريّئة، فمن الأشياء التي تشذّ فتردّ إلى الأصل المرفوض نحو: استحوذ والقصوى والقود ورجل لدوغ، وطعام قضض، حكاه أبو زيد.
فأما قوله: وإني خفت الموالي من ورائي فإن الخوف لا يكون من الأعيان في الحقيقة، إنما يكون من معان فيها، فإذا قال القائل:
خفت الله، وخفت الوالي، وخفت الناس، فالمعنى: خفت عقاب الله ومؤاخذته، وخفت عقوبة الوالي وملامة الناس، وكذلك وإني خفت الموالي من ورائي أي: خفت تضييع بني عمي، فحذف المضاف، والمعنى على تضييعهم الدين ونبذهم إياه واطّراحهم له، فسأل ربّه وليّا يرث نبوّته وعلمه لئلا يضيع الدين. ويقوّي ذلك ما روي عن الحسن أنه قال: يرثني [مريم/ ٦]: يرث نبوّتي، وهذا بيّن لأنه لا يخلو من أن يكون أراد: يرث مالي أو علمي ونبوّتي. وفيما أثر
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنه قال: «نحن- معاشر الأنبياء- لا نورث ما تركناه صدقة»
«١».
دلالة على أن الذي سأل أن يرثه وليّه ليس المال، فإذا بطل هذا ثبت الوجه الآخر.
(١) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد ج- ٣/ ١٣٧٨، ١٣٧٩، ١٣٨٠، ١٣٨١، ١٣٨٣، وأحمد في مسنده ١/ ٤، ٦ وغيرها.