فكلّ شهادة علم وليس كلّ علم شهادة، وممّا يدلّ على اختصاصه بالعلم بأنّه لو قال عند الحاكم: أعلم أنّ لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد، فالشهادة مثل التيقّن في أنّه ضرب من العلم مخصوص، فليس كلّ علم تيقّنا، وإن كان كلّ تيقّن علما، وكأنّ التيقّن هو العلم الذي قد عرض لعالمه إشكال فيه. يبيّن ذلك قوله في قصّة إبراهيم: وليكون من الموقنين [الأنعام/ ٧٥] ويبيّن ذلك قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن أما جزاء العالم المستيقن عندك إلّا حاجة التّفكّن «١» فوصف العالم بالمستيقن.
وقالوا: فلو لم تكن في المستيقن زيادة معنى لم يكن في الوصف الأوّل، ولم يحسن هذا الكلام، وكان غير مفيد. وهذا كقول زهير:
فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم «٢» ثمّ قال:
فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها أي: عرفتها بعد إشكال امرها، والتباسها عليّ، وعلى هذا قول

(١) سبق في ١/ ٢٥٨، ٢٥٩.
(٢) عجز بيت لزهير في معلقته صدره:
وقفت بها من بعد عشرين حجّة وقد سبق في ١/ ٢٥٧.


الصفحة التالية
Icon