وقد طَرَحَ الفادي أَسئلتَه الاعتراضيةَ التشكيكيةَ بأُسلوبٍ تَهَكُّميٍّ، ولهجةٍ
ساخرة، تدلُّ على تهكُّمِه بالقرآن، وعَدَمِ احترامِه له، وعَدَمِ أَدَبِه معه، وهذا أُسلوبٌ لا يَليقُ به، باعتبارِه قِسّيساً ورجلَ دينٍ نصرانياً!.
واعتراضُه على كَلامِ القرآنِ يَدُلُّ على جَهْلِه، حيثُ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ النجومِ
والكواكبِ في الفضاءِ حجارةٌ وعَتادٌ حربي، لضَرْبِ الشياطين التي تُحاولُ
الصعودَ إِلى السماء، وظَنَّ أَنّ الملَكَ الحارسَ بحجْمِ الإِنسان، أَيْ أَنَّ حَجْمه
لا يَكادُ يَزيدُ على مئةِ كيلوغرام، فكيفَ يَحملُ بين يَدَيْه نَجْماً، يَزِنْ مَلايين
الكيلوغرامات؟!.
إِنَّ هذا الظَّنَّ السخيفَ يدلُّ على غَباءِ الفادي وسخافةِ تفكيره..
لقد ذَكَرَ القرآنُ أَنَّ الملائكةَ الحُرّاسَ يَقْذِفونَ على الشياطينِ الصاعدةِ
شُهُباً ثاقِبَة، ولم يَقُلْ: إِنَ أَحَدهم يَحملُ كوكباً يَزِنُ ملايينَ الأَطْنان!.
(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠).
فمعَ المَلَكِ شِهابٌ مُشْتَعِلٌ، وهذا الشِّهابُ يكونُ مأخوذاً من النجمِ المشتعل.
وهناك نجومٌ مشتعلةٌ ملتهبةٌ مثْلُ الشمس، وهناك نُجومٌ باردةٌ مظلمةٌ مثْلُ القَمَر...
فلم يَقُل القرآنُ: إِنَّ كُلَّ النجومِ والكواكبِ التي تُعَدُّ بالمليارات حجارةٌ لضَرْبِ الشياطين، إنما أَخْبَرَ أَنَّ معَ الملائكةِ الحُرّاسِ شُهُباً مُبينَةً مُشْتَعِلَة، مأْخوذةً من النجوم النارية..
والشِّهابُ صَغيرُ الحجمِ يَقْدِرُ الطفلُ على حَمْلِه، فما بالك بالمَلَكِ الضخمِ القويِّ؟!.
ومَن الذي قالَ للفادي: إِنَّ حَجْمَ المَلَكِ بحَجْمِ الإِنسان؟
إِنَّ المَلَكَ
ضخمٌ كَبيرٌ عظيم، كما قل تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١).
وبما أَنَّ اللهَ أَخْبَرَنا في القرآنِ أَنه جعلَ النجومَ رُجوماً للشياطين، وأَنَّ
الملائكةَ الحُرّاس يأخُذونَ منها الشُّهُبَ الثاقبة يَرْمونَ بها الشياطين، فهو الكلامُ الصحيحُ الصائب، ولا نَجِدُ فيه خَطَأً فَلَكياً أَو جغرافياً، ولا يَتَعارَضُ مع العقل (١).
٦٧- هل النجوم رجوم الشياطين؟
الرد على الشبهة:
إن الإسلام دين، وهو موحى به من رب العالمين يخبرنا عن صدق ويقين، وهو القائل سبحانه: (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا) (١). والإسلام ليس بدعاً من الأديان ولذلك نرى أن الكتب المقدسة تذكر ذلك؛ فإن الله تعالى يقول:
(وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشهباً * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصدا) (٢). قال ذلك حكاية عن الجن. وليس المعنى كما فهم المؤلف، وإنما المعنى هو أن الله جعل على السماء حراساً من الملائكة، وخلق لهم أدوات عقاب تناسب أجسام الشياطين. وهى الشهب. فإذا جاء شيطان رماه أحد الملائكة بشهاب وليست الشهب كواكب كالقمر والشمس، وإنما هى أدوات عقاب كالسيف فى يد الجندى المحارب.
وفى الإصحاح الثالث من سفر التكوين؛ أن الله لما طرد آدم من الجنة وهى جنة عدن، ليعمل الأرض التى أُخذ منها، أقام شرقى جنة عدن ملائكة تسمى الكروبيم، ووضع لهيب سيف متقلب فى أياديهم لحراسة طريق شجرة الحياة: " فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التى أُخذ منها؛ فطرد الإنسان، وأقام شرقى جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (٣).
ويقول المفسرون: " إن الكروبيم من الملائكة المقربين. وهو فى الفارسية بمعنى الحارس ". وكان عملهم وقت طرد آدم هو " حراسة الفردوس؛ لئلا يرجع الإنسان إليه ".
وفى القرآن تفسير الشهب بشواظ من نار. فى قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان * فبأى آلاء ربكما تكذبان * يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) (٤).
فقد جعل للجن غير ما جعل للإنس من أدوات العقاب. ولم يجعل للجن كواكب تُرمى بها كالقمر والشمس، وإنما جعل للجن " شواظ " أى " شهب ". اهـ (شبهات المشككين).
__________
(١) الكهف: ٥١.
(٢) الجن: ٨ - ٩.
(٣) تك ٣: ٢٣-٢٤.
(٤) الرحمن: ٣٣ - ٣٥.