والراجحُ أَنَّ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) حال منصوب، وصاحبُ الحالِ ضميرُ " هُمْ "
الذي هو في مَحَلِّ نَصْب مفعول به، في (وَقَطَّعْنَاهُمُ)، وهو يَعودُ على بني
إسرائيل.
والراجحُ أَنَّ (أَسْبَاطًا) بَدَل من (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) منصوب.
أَيْ: قَطَّعْناهم أَسباطاً..
والراجحُ أَنَّ (أمُما) بَدَل من (أَسْبَاطًا) منصوب.
أَيْ: قَطَّعناهم أُمماً.
ولا تَصلحُ (أَسْبَاطًا) أَنْ تَكونَ تَمييزاً للعَدَدِ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) لأَنَّ شَرْطَ
تمييزِ العَدَد أَنْ يَكونَ مُفْرَداً، فالراجحُ أَنَّ تمييزَ العددِ محذوف، والتقدير:
قَطَّعناهم اثنتي عَشْرَةَ فرقةً أَو قبيلةً أَو أمَّةً.
وبما أَنَّ التمييزَ المحذوفَ مؤنَّثٌ مُفْرَد، فقد زالَ اعتراضُ الفادي.
وصارَ تركيبُ الآيةِ هكذا: وقَطَّعْناهم اثْنَتَي عشرةَ فِرْقَةً أَسباطاً أُمماً..
واتَّفَقَ العددُ مع المعدودِ في التأنيث، وجاءَ المعدودُ التمييزُ مفرداً، فلا إِشكالَ في الآية (١).
***
جمع الضمير العائد على المثنى
قال تعالى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ).
خَطَّأَ الفادي صياغَةَ الآية، فكلمةُ (خَصْمَانِ) مُثَنَى، والجملةُ الفعليةُ
بَعْدَها صفة لها، والفاعلُ في (اخْتَصَمُوا) واوُ الجماعة يَعودُ على المثَنّى
(خَصْمَانِ) قال: " وكانَ يَجِبُ أَنْ يُثَنّى الضميرُ العائدُ على المُثنّى، فيقول:
هذانِ خصمانِ اخْتَصَمَا في ربهما... ".
(هَذَانِ) : اسْمُ إِشارةٍ مُثَنّى في مَحَلّ رفْع مبتدأ.
و (خَصْمَانِ) خَبَرُه مرفوع، والكلمتانِ مُثَنّى لَفْظاً، لكنهما تُشيرانِ إِلى جَمْع، لأَنهما ليسا رَجُلَيْن مُخْتَصِمَيْن، وإِنما فَريقان مختصمان، وكلُّ فريق مُكَونٌ من عِدَّةِ أَفْراد، فريقُ الكافرين وفريقُ المؤمنين.
قوله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ﴾ : الظاهر أن «قطعناهم» متعدٍّ لواحد لأنه لم يُضَمَّنْ معنى ما يتعدى لاثنين، فعلى هذا يكون «اثنتي» حالاً من مفعول «قطَّعناهم»، أي: فَرَّقْناهم معدودِين بهذا العدد. وجوَّز أبو البقاء أن يكون قَطَّعْنا بمعنى صَيَّرنا وأن «اثنتي» مفعولٌ ثانٍ، وجزم الحوفي بذلك.
وتمييز «اثنتي عشرة» محذوف لفهم المعنى تقديره: اثنتي عشرة فرقة و «أسباطاً» بدل من ذلك التمييز. وإنما قلت إن التمييز محذوف، ولم أجعل «أسباطاً» هو المميِّز لوجهين، أحدهما: أن المعدودَ مذكرٌ لأن أسباطاً جمع سِبْط، فكان يكون التركيبُ اثني عشر. والثاني: أن تمييز العدد المركب وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر مفرد منصوب، وهذا كما رأيت جمعٌ. وقد جعله الزمخشري تمييزاً له معتذراً عنه فقال: «فإن قلتَ: مميِّز ما عدا العشرةَ مفردٌ فما وجهُ مجيئه جمعاً؟ وهلا قيل: اثني عشر سِبْطاً. قلت: لو قيل ذلك لم يكن تحقيقاً لأن المرادَ: وقطَّعْناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكلُّ قبيلة أَسْباط لا سِبْط، فوضع أسباطاً موضع قبيلة. ونظيرُه:
٢٣١٥... بين رماحَيْ مالكٍ ونَهْشَلِ
قال الشيخ:» وما ذهب إليه من أن كل/ قبيلة أسباط خلافُ ما ذكره الناس: ذكروا أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وقالوا: الأسباط جمع [سبط]، وهم الفرق والأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل ويكون على زعمه قولُه تعالى: ﴿وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط﴾ معناه: والقبيلة. وقوله وهو نظير قوله «بين رماحَيْ مالك ونهشل» ليس بنظيره، لأن هذا من باب تثنية الجمع وهو لا يجوز إلا في ضرورة، وكأنه يشير إلى أنه لو لم يُلْحَظْ في الجمع كونُه أريد به نوعٌ من الرماح لم تَصِحَّ التثنية، كذلك هنا لُحِظ في الأسباط وإن كان جمعاً معنى القبيلة فَمُيِّزَ به كما يُمَيَّزُ بالمفرد «.
وقال الحوفي:» يجوز أن يكونَ على الحَذْف، والتقدير: اثنتي عشرة فرقةً أسباطاً، ويكون «أسباطاً» نعتاً لفرقة، ثم حُذف الموصوفُ وأقيمت الصفة مُقامه. وأمم نعتٌ لأسباط، وأنَّث العددَ وهو واقعٌ على الأسباط وهو مذكر وهو بمعنى فرقة أو أمة كما قال:
٢٣١٦ ثلاثة أنفس..............................
يعني رجلاً. [وقال:]
٢٣١٧................ عشرُ أَبْطُنْ...................
بالنظر إلى القبيلة. ونظيرُ وصفِ التمييز المفرد بالجمع مراعاةً للمعنى قول الشاعر:
٢٣١٨ فيها اثنتان وأربعون حَلوبةً... سُوداً كخافيةِ الغراب الأَسْحَمِ
فوصف «حلوبة» وهي مفردةٌ لفظاً ب «سُوْداً» وهو جمع مراعاةً لمعناها، إذ المرادُ الجمع «.
وقال الفراء:» إنما قال «اثنتي عشرة» والسِّبط مذكر لأنَّ ما بعده أممٌ فذهب التأنيث إلى الأمم، ولو كان اثني عشر لتذكير السبط لكان جائزاً «واحتجَّ النحويون على هذا بقول الشاعر:
٢٣١٩ وإنَّ قريشاً هذه عشرُ أبطنٍ... وأنت بريءٌ من قبائلها العشرِ
ذهب بالبطن إلى القبيلة والفصيلة، لذلك أنَّث والبطن ذَكَر.
وقال الزجاج: «المعنى:» وقَطَّعناهم اثنتي عشرة فرقةً أسباطاً، من نعتِ فرقة كأنه قال: جَعَلناهم أسباطاً وفَرَّقْناهم أسباطاً «، وجوَّز أيضاً أن يكون» أسباطاً «بدلاً من» اثنتي عشرة «وتبعه الفارسيُّ في ذلك.
وقال بعضهم:» تقدير الكلام: وقطعناهم فرقاً اثنتي عشرة، فلا يُحتاج حينئذٍ إلى غيره. وقال آخرون: جَعَل كلَّ واحد من الاثنتي عشرة أسباطاً، كما تقول: لزيد دراهم ولفلان دراهم ولفلان دراهم، فهذه عشرون دراهم، يعني أن المعنى على عشرينات من الدراهم. ولو قلت: لفلان ولفلان ولفلان عشرون درهماً بإفراد «درهم» لأدَّى إلى اشتراك الكل في عشرين واحدة والمعنى على خلافه. وقال جماعة منهم البغوي: «وفي الكلام تقديمٌ وتأخير تقديرُه: وقطعناهم أسباطاً أمماً اثنتي عشرة».
وقوله ﴿أُمَماً﴾ : إمَّا نعتٌ لأسباطاً، وإمَّا بدل منها بعد بدل على قولنا: إن أسباطاً بدلٌ من ذلك التمييزِ المقدر. وجَعَلَه الزمخشري أنه بدل من اثنتي عشرة قال: «بمعنى: وقَطَّعناهم أمماً لأن كل أسباط كانَتْ أمةً عظيمة وجماعة كثيفة العدد» وكلُّ واحدة تَؤُمُّ خلافَ ما تَؤُمُّه الأخرى لا تكاد تأتلف «انتهى. اهـ (الدر المصون).