معطوفٌ على (يَأْتِيَ).
و (لَوْلَا) : حرفٌ للتَّمني.
وجوابُ التَّمَنّي جملة: (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
والتقديرُ: لولا أَخَرْتَنى إِلى أَجَلٍ قريب فأَنْ أَصَّدَّق.
ومع أَنَّ " أَصَّدَّق" منصوبٌ لَفْظاً بحرفِ " أَنْ "، إِلَّا - أَنه مجزومٌ مَحَلًّا، على
أنه جوابُ الشَّرط، فالجملةُ للتَّمَنّي في الظاهر، لكنَّها جملةٌ شرطيةٌ في
الحقيقة، والتقدير: إِنْ أَخّرتني إِلى أَجَلٍ قريبِ أَصَّدَّقْ.
وعلى هذا يكونُ (أَكن) مجزوماً، َ لأَنه معطوف على مَحَلِّ "أَصَّدَّق".
الذي هو جوابُ الشرطِ في الحقيقة، والتقدير: إِنْ أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قريبِ
أَصَّدَّق، وأَكُنْ من الصالحين.
أَيْ أَنَّ الكافرَ يتعهَّدُ بفعْلِ أَمْرَيْن اثْنَيْن إِنْ أَخَّرَ اللهُ أَجَلَه: يتصدَّقُ في
سبيلِ الله، ويكونُ من الصالحين (١).
***
عود ضمير الجمع على المفرد
اعترضَ الفادي على قولِ اللهِ - عز وجل -: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧).
اعتراضه على ضمير الجمع في (بِنُورِهِمْ)، فكيفَ جاءَ بصيغةِ الجمعِ مع
أَنَّهُ يَعودُ على المفرد، وهو الضميرُ المستتر في (اسْتَوْقَدَ).
قال: " وكانَ يَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ الضميرَ العائدَ على المفردِ مُفْرَداً، فيقول: استوقد ناراً فلما أَضاءتْ ما حوله ذهبَ اللهُ بنورِه ".
واعتراضُ الفادي دليلُ جَهْلِه بأَساليبِ التعبيرِ الرائعةِ البليغةِ في اللغةِ
العربيةِ الشاعرة.
إِنَّ التشبيهَ في الآيةِ تَشبيهٌ تَمثيليّ، شَبَّهَ حالاً بحال، حالَ المنافقينَ في عدمِ
انتفاعِهم بالإِيمانِ، بحالِ الذي استوقَدَ ناراً ثم أَطْفَأَها اللهُ، فلم ينتفعْ هو بها.

(١) قال السمين:
قوله: ﴿وَأَكُن﴾ : قرأ أبو عمروٍ «وأكونَ» بنصب الفعل عطفاً على «فأصَّدَّقَ» و «فأصَّدَّقَ» منصوبٌ على جوابِ التمني في قوله: «لولا أَخَّرتني» والباقون «وأكُنْ» مجزوماً، وحُذِفَتِ الواوُ لالتقاء الساكنين. واختلفت عبارات الناس في ذلك، فقال الزمخشري: «عطفاً على محلِّ» فأصَّدَّقَ «كأنه قيل: إنْ أخَّرْتَني أصَّدَّقْ وأكنْ». وقال ابنُ عطية: «عطفاً على الموضع؛ لأنَّ التقديرَ: إنْ أخَّرتني أصَّدَّقْ وأكن، هذا مذهب أبي علي الفارسي: فأمَّا ما حكاه سيبويه عن الخليلِ فهو غيرُ هذا وهو أنه جزمٌ على توهُّمِ الشرطِ الذي يَدُلُّ عليه التمني، ولا موضعَ هنا لأن الشرطَ ليسَ بظاهرٍ، وإنما يُعْطَفُ على الموضع حيث يَظْهَرُ الشرطُ كقولِه: ﴿مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٦] فمَنْ جَزَمَ عَطَفه على موضع ﴿فَلاَ هَادِيَ لَهُ﴾ لأنه لو وقع موقعَه فِعْلٌ لانجزم» انتهى. وهذا الذي نَقَله عن سيبويهِ هو المشهورُ عند النَّحويين. ونَظَّر سيبويه ذلك بقول زهير:
٤٢٦٨ بَدا ليَ أني لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا
فخفضَ «ولا سابقٍ» عطفاً على «مُدْرِكَ» الذي هو خبر ليس على توهُّمِ زيادةِ الباء فيه؛ لأنه قد كَثُرَ جَرُّ خبرِها بالباء المزيدة، وهو عكسُ الآيةِ الكريمةِ؛ لأنه في الآية جُزِمَ على توهُّمِ سقوط الفاء، وهنا خُفِضَ على تَوَهُّمِ وجودِ الباءِ، ولكنَّ الجامعَ توهُّمُ ما يَقْتضي جوازَ ذلك، ولكني لا أُحِبُّ هذا اللفظَ مستعملاً في القرآن، فلا يُقال: جُزم على التوهُّم، لقُبْحه لفظاً. وقال أبو عبيد: «رأيتهُ في مصحف عثمان» وأكُنْ «بغير واوٍ. وقد فَرَّق الشيخ بين العطفِ على الموضعِ والعطفِ على التوهُّمِ بشيءٍ فقال:» الفرقُ بينهما: أنَّ العاملَ في العطف على الموضع موجودٌ، وأثرُه مفقودٌ، والعاملُ في العطفِ على التوهُّمِ مفقودٌ، وأثرُه موجودٌ «انتهى. قلت: مثالُ الأول:» هذا ضاربُ زيدٍ وعمراً «فهذا من العطفِ على الموضع، فالعاملُ وهو» ضارب «موجودٌ، وأثرُه وهو النصبُ مفقودٌ. ومثالُ الثاني ما نحن فيه؛ فإنَّ العاملَ للجزمِ مفقودٌ، وأثُره موجودٌ. وأَصْرَحُ منه بيتُ زهير فإنَّ الباءَ مفقودةٌ وأثُرها موجودٌ، ولكن أثرَها إنما ظهر في المعطوفِ لا في المعطوفِ عليه، وكذلك في الآية الكريمة. ومن ذلك بيتُ امرىء القيس:
٤٢٦٩ فظلَّ طُهاةُ اللحمِ مِنْ بينِ مُنْضِجٍ صَفيفِ شِواءٍ قَديرٍ مُعَجَّلِ
فإنهم جعلوه مِن العطفِ على التوهُّم؛ وذلك: أنه توهَّم أنه أضاف»
منضج «إلى» صَفيف «، وهو لو أضافَه إليه لَجَرَّه فعطفَ» قدير «على» صفيف «بالجرِّ تَوَهماً لجرِّه بالإِضافة.
وقرأ عبيد بن عمير»
وأكونُ «برفع الفعل على الاستئناف، أي: وأنا أكونُ، وهذا عِدَةٌ منه بالصَّلاح. اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon