وجاءَ ضمير " هُمْ " في قوله: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) جَمْعاً، مراعاةً للحالِ
المشَبَّهَة، وهي حالُ المنافقين، وليس الحالَ المشَبَّهَ بها، وهي حالُ المستوقِدِ
ناراً، لأَنَّ الهدفَ من هذا التشبيهِ التمثيلي هو المَشبَّهُ وليس المشَبَّه به، وبيانُ
عَدَمِ استفادةِ المنافقين من الهدى والنور.
لقد عادَ ضميرُ " هم " في (بِنُورِهِمْ) على ضميرِ " هُمْ " في (مَثَلُهُمْ)،
والمرادُ بهذا الضميرِ المنافقون.
ولو عادَ الضميرُ على المفردِ، وقالَ: " ذهب الله بنوره وتركه في ظلمات "
لكانَ التركيزُ على التشبيهِ والتمثيل، وهذا ممكِن، ولكنه ليسَ فصيحاً.
إِنَّ الأَفصحَ والأَبلغَ الانتقالُ من التمثيل والتشبيهِ إِلى الحقيقة، ليدُلَّ على
أَنَّ اللهَ أَذهبَ نورَ الإِيمانِ من قلوبِ المنافقين؟
لأَنَّ هذا هو المقصودُ من التشبيه.
وصارَ التقدير هكذا: مَثَلُ المنافقين في عَدَمِ استفادتِهم من الإِيمانِ كَمَثَلِ
رجلٍ استوقدَ ناراً، فلما أَضاءَتْ ما حولَه، ذهبَ اللهُ بنارِه، فلم يَسْتَفِدْ منها، وكذلك المنافقون ذَهَبَ اللهُ بنورِهم، فلم يستفيدوا من الإِيمان.
وقد جاءَ ضميرُ الجمعِ في (بِنُورِهِمْ) بين ضميرَيْ جَمْع: الضميرِ في
(مَثَلُهُمْ) قبلَه.
والضمير في (وَتَرَكَهُمْ) بعدَه!!.
وعلى هذا يكونُ اعتراضُ الفادي لا معنى له، فالأَفصحُ والأَبلغُ هو ما
وردَ في القرآن! (١).
***
هل يجوز نصب المعطوف على المرفوع؟
اعترضَ الفادي على قولِ اللهِ - عز وجل -: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢).
والأَوْلى أن يقال إن «الذي» وقع وصفاً لشيء يُفْهِم الجمعَ، ثم حُذِفَ ذلك الموصوفُ للدلالةِ عليه، والتقديرُ: مَثَلهم كَمَثَل الفريق الذي استوقد أو الجمعِ الذي استوقَدَ، ويكون قد رُوعي الوصفُ مرةً، فعادَ الضميرُ عليه مفرداً في قوله: «استوقد» و «حَوْلَه»، والموصوفُ أخرى فعاد الضميرُ عليهِ مجموعاً في قوله: «بنورِهم، وتركَهم». اهـ (الدر المصون).