كانَ العربُ في الجاهليةِ يَحُجّونَ على طريقتِهم، ويَطوفونَ بالبيت،
ويَسعونَ بينَ الصَّفا والمروة، ويَقِفونَ بعَرَفات، ويُقيمونَ في مِنى.
ولما جاءَ الإِسلامُ أَمَرَ المسلمينَ بالحَجِّ، واعتَبَرَهُ رُكْناً من أَركانِ الإِسلام.
ومن أَركانِ الحَجِّ السعيُ بينَ الصَّفا والمروة، بنَصّ الآيةِ المذكورة،
وبفعْلِ رسولِ اللهِ - ﷺ -.
صَحيحٌ أَنَّ العربَ الجاهليّين الوثنيِّين كانوا يَسعونَ بينَ
الصَّفا والمروة، لكنَّ القرآنَ لم يَأَخُذ تشريعَه عنهم، كما يَزعمُ الفادي
المفتري، فليس في مناسِكِ الحَجِّ شيءٌ من شعائِرِ الجاهلية.
إِنَّ الحَجَّ مرتبطٌ بإبراهيمَ وإِسماعيلَ - صلى الله عليهما وسلم -، فهما اللَّذان بَنَيا البيتَ الحرام، أَوَّلَ بيتٍ وُضِعَ للناسِ في الأَرضِ لعبادةِ الله، ولما فَرَغا من بنائِه أَمَرَ اللهُ إِبراهيمَ - عليه السلام - أَنْ يُؤَذِّنَ في الناسِ بالحَجّ، فَفَعَل، وحَجَّهُ أَوَّلُ فوجٍ من الحُجّاجِ زمنَ إِبراهيمَ - ﷺ -.
قالَ تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧).
واستمرَّ الناسُ يَحُجّون، منذُ إِبراهيمَ - عليه السلام -، يَتَوارَثونَ الحَج منذُ ذلك التاريخ، لكنَّهم يَرتكبونَ فيه كَثيراً من مظاهرِ الشركِ والمخالفات.
فلما جاءَ الإِسلامُ طَهَّرَ الحَجَّ من ممارساتِ الجاهليِّين الباطلة، وأَعادَ له صِلَتَهُ الإِيمانية بإبراهيمَ - ﷺ -، وأَعطاهُ طابَعَهُ الإِيمانيّ، وجَعَلَه عبادةً خالصةً لله - عز وجل -.
وبذلك صارَتْ شعائرُ الحَجِّ إِسلاميةً ربانية، وليستْ وثنيةً جاهلية!.
ومما يُؤَكِّدُ هذا المعنى الحوارُ الذي دار بين عروةَ بنِ الزبير وخالتِه
عائشة - رضي الله عنها -.
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن عروةَ بنِ الزبير: أَنه قالَ لعائشةَ - رضي الله عنها -: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا).
فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما!
فقالَتْ عائشة: لو كانَتْ كما تَقولُ لكانَتْ: " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ".