كلُّ الأَوامرِ والنواهي والتكاليفِ الشرعية كَلَّفَ اللهُ بها رسولَه - ﷺ - بطريقةِ الوحي، إِلّا الصلواتُ الخمس، فإنه شاءَ سبحانَه وتعالى أَنْ يكَلِّفَه بها بهذه الطريقةِ الخاصة، حيثُ استدعاهُ وعَرَجَ به إِلى السماء، وكَلَّفَه بها، وذلك لأَهميةِ الصلواتِ الخمس وعِظَمِ منزلتِها في هذا الدين، وعِظَمِ مهمَّتِها وآثارها في حياةِ المسلمين.
وشاءَ اللهُ العليمُ الحكيمُ أَنْ يكونَ التكليفُ بالصلواتِ الخمسِ على هذه
الصورةِ المتدرجةِ اللطيفة، ولو شاءَ أَنْ يُكَلِّفَه بخمسِ صَلَواتٍ من أَوَّلِ الأَمْرِ
لفَعَل، لكنَّه سبحانه وتعالى شاءَ أَنْ يُكلفَه بخمسينَ صلاةً أَولاً،.
وأَنْ يُسْقِط بَعْضاً من أَعدادِها كلَّما ذَهَبَ محمدٌ - ﷺ - إِلى موسى - ﷺ - ثم عادَ إِليه، حتى أَنزلَ أَعدادَها من خمسينَ إِلى خمس، مع إِبقائِهن في الأَجْرِ خمسين، أَيْ أَنهنَّ خمسٌ في العدد، وخَمسونَ في الأَجْر.
فَعَلَ اللهُ ذلك بالصلواتِ الخمس، ليمتَنَّ على المسلمين بذلك، ويُبَيِّنَ
لهم رحمتَه بهم، رحمتَه في تخفيضِهن من خمسينَ إِلى خمس، ورحمتَه في
إبقائِهنَّ على خمسينَ في الأَجرِ.
ولا نتصوَّرُ مقدارَ المشقةِ والحَرَج لو أَبْقاهُنَّ اللهُ خمسينَ صلاةً في اليوم!
فإِذا كانَ بعضُ المسلمين قد يَتَثاقَلُ عن الصلواتِ الخمس، فكيف لو كُنَّ خمسينَ صلاة؟!.
إِنَّ اللهَ الحكيمَ يتحببُ إِلى المسلمين، ويقدمُ لهم مظاهرَ من رحمتِه
ورأفتِه بهم، وذلك ليعرفوا فضلَه وكرمَه وإِنعامَه، ويتذوقوا مظاهرَ رحمتِه وبرِّه ومحبتِه، وبذلك يزدادونَ محبةً له، وذكراً وشكراً له، ونشاطاً وحيويةً في عبادتِه وطاعتِه ومناجاتِه.
وإنَّ الجاهلَ السفيهَ محجوبٌ عن هذه المعاني الروحية، لكفرِه وضَلاله،
ولذلك لم يَفهم الحكمةَ من فرضِ الصلواتِ الخمسِ بهذه الطريقةِ المحببة،
ومن ثم كَذَّبَ القرآنَ وكَذَّبَ رسولَ الله - ﷺ -، وأَثارَ أَسئلتَه الاستفزازية.
إِنَّ الجاهلَ الغبيَّ يسأَل: هل الأَنبياءُ أَكثرُ معرفةً بأَحوالِ الناسِ من الله؟


الصفحة التالية
Icon