فلماذا أَطلقَ العَنانَ لنفسِه دون المسلمين، وتزوجَ بأَكثر مما يَسمحُ به القانون، من أَيِّ امرأةٍ تَهبُه نفسَها، لو أَنه وَقَعَ في هواها، فكانَ له عند وفاتِه تسعُ نسوةٍ أَحياء، وسريَّتَيْن هما مارِيَة ورَيْحانَة؟...
وقالَ البيضاوي: إِنَّ النساءَ اللاتي وَهَبْنَ أَنفسهنَّ للنبيِّ هن: مَيمونَةُ بِنتُ الحارث، وزينبُ بنتُ خُزامَة، وأُمُ شريك بنتُ جابر، وخولةُ بنتُ حكيم! أَليس غَريباً أَنَّ محمداً أَوصى المسلمينَ بالعدلِ بينَ النِّساء، وأَباحَ لنفسِه حريةَ عَدمِ العَدْلِ بين أَزواجه، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ).
الفادي المجرمُ يُصِرُّ على استبعادِ البُعْدِ الربانيِّ للأَحكامِ الشرعية
والآياتِ القرآنية، ويُصِرُّ على نسبةِ الآياتِ وما فيها من أَحكامٍ إِلى محمدٍ - ﷺ -، ويَظهرُ هذا في قوله: " حَلَّلَ محمدٌ لنفسِه ما حَرمَه على غيره " و " أَلَم يُحددْ للمسلمِ أَربعَ زوجات، فقال: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) ؟ " (١).
ونُلاحظُ أَنَّ المجرمَ يَنسبُ الآيةَ إِلى النبيِّ - ﷺ -، وأَنه هو الذي أَلَّفَها وصاغَها، ثم نَسَبَها إِلى الله!
إِنه لا يعترفُ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنَّ محمداً هو رسولُ اللهِ - ﷺ -، وأَنَّ الإِسلامَ هو دينُ الله؟
وإِذا كانَ هذا منطلقه في النظرةِ إِلى الإِسلامِ والقرآنِ ومحمدٍ - ﷺ -، فكلُّ تَفصيلاتِه وتحليلاتِه مرتبطةٌ بهذه النظرة، وهي ثمرةٌ طبيعية لها.
وفي كلامِ الفادي المجرمِ السابقِ مجموعَةٌ من المغالطات، منها:
١ - زَعْمُه أَنَّ النبيَّ - ﷺ - هو الذي حَدَّدَ للمسلمِ التزوجَ بأَربعِ نساء، وهذا كَذِب، فالذي حَدَّدَ ذلك هو اللهُ - عز وجل - في القرآنِ الكريم، قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ).
٢ - زَعْمُه أَنَّ النبيَّ - ﷺ - أَباحَ لنفسِه ما حَرَّمَه على غيرِه، وأَطلقَ العَنانَ
لنفسِه، وتزوَّجَ بأَكثر مما يسمحُ به القانون.
وهذا كذبٌ مفضوح منه، فالذي أَباحَ له ذلك هو اللهُ في كتابِه الكريم.

(١) قال الشيخ / محمد الغزالي - رحمه الله - ما نصه:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ..).
والمعروف أن للمسلم أن يتزوج بأربع لا يزيد. وقد أسلم رجل ولديه عشر زوجات، فأمره النبى بإمساك أربع وتسريح الباقيات. قد تقول فلماذا لم يطبق ذلك على نفسه؟ والجواب أنه بعدما اخترنه على أهلهن وآثرن البقاء معه على شظف العيش ما يسوغ ترك إحداهن! ثم ماذا تفعل من يسرحها؟ إن زواجها بغيره مستحيل لحرمة أمهات المؤمنين على سائر الأمة! فالحل أن يبقين، ولو كان من بينهن العجائز! ثم قيل للرسول عقب هذا الوضع " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا". والتعدد نظام قد يقبل مع شرف الأخلاق وتباين الطبائع والحاجة إلى الذرية، وقد عرف فى سير الأنبياء. وأشعر بريبة فيما ذكرته التوراة من أنه كان لسليمان ألف امرأة، وأحسب ذلك من المجازفات..! وليس للحضارة المعاصرة أن تخوض فى هذه القضية! فإن التعدد فيها كلأ مباح، وربما استطاع الصعلوك أن ينال أكثر مما نال! سليمان سفاحا لا نكاحا.. اهـ (نحو تفسير موضوعي. ص: ٣٢٥)


الصفحة التالية
Icon