وأَعرضَ عنه، وقالَ في نفسِه: يَقولُ هؤلاء الصَّناديدُ: إِنما اتَّبَعَه الصِّبيانُ والعَبيدُ والسَّفَلَةُ، فعبسَ وَجْهُهُ وأَشاحَ عنه، وأَقبلَ على القومِ الذين كانَ يُكَلّمُهم.
ونحنُ نسأل: كيفَ يُراعي محمدٌ أَصحابَ الجاهِ، ويَرفضُ الفقيرَ
والمسكين، ويُقَطِّبُ وَجْهَه للأَعمى؟
أَيْنَ هو من المسيح، الذي لما جاءَه الأَعمى أَحاطَه بعطفِه ورعايتِه وأَعادَ له البَصَر؟! ".
كَذَبَ المفترِي في عَرْضِه للحادثة، وذلك في زَعْمِه أَنَّ محمداً - ﷺ - لَمّا أَعرضَ عن ابنِ أُمِّ مكتومِ قالَ في نفسه: " يَقولُ هؤلاء الصَّناديدُ: إِنما اتَّبَعَه الصبيانُ والعبيدُ والسَّفَلةُ "!.
ولم يَذْكُرْ أَحَدٌ من العلماءِ المسلمين هذا، وإنما هو من وَضْعِ واختلاقِ الفادي المفْتَري..
إِنه يَزْعُمُ أَنَّ محمداً - ﷺ - قالَ هذا
القولَ في نفسه، ولم يُخبرْ بِه أَحَداً، فإِذا كانَ قالَه في نفسِه فكيفَ عرفَ
الفادي به؟
وكيفَ وَصلَ إِليه، وبينَه وبينَ الرسولِ - ﷺ - خمسةَ عشرَ قَرْناً؟
وهو لم يَنطقْ به؟
سبحانك ربي هذا بهتان عظيم.
وخلاصَةُ الحادثةِ: أَنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - كان مجتمعاً مع مجموعةٍ من زُعماءِ قريش، يَعرضُ عليهم الإِسلامَ، ويَطمعُ في إِسلامِهم، وفي هذه اللحظةِ دَخَلَ عليه عبدُ الله بنُ أُمِّ مكتوم - رضي الله عنه -، وبما أَنه أَعمى، فإِنه لم يَرَ الحالةَ التي عليها رسولُ الله - ﷺ - مع القوم، وخاطَبَ الرسولَ - ﷺ - قائلاً: يا رسولَ الله، عَلّمْني مما عَلَّمَكَ الله! فكَرِهَ الرسولُ - ﷺ - قُدومَه وطَلَبَه، ولكنه لم يُكَلِّمْهُ ولم يَنْهَرْهُ ولم يَحْتَقِرْه، وعبسَ في وجهِه كارِهاً ذلك..
وفهمَ ابنُ أُمِّ مكتومٍ أَنه قَدِمَ في وقتٍ غير مناسب، فخرجَ من المكان، وتابَعَ الرسولُ - ﷺ - كلامه مع القومِ الذينَ لم يُسْلِموا.
وأَنزلَ اللهُ مطلعَ سورةِ عَبَس، يُعاتِبُ فيها رسولَهُ - ﷺ -، على عُبوسِه في وَجْهِ الأَعمى، ويُرشدُه إِلى أَنه كان الأَولى به أَنْ يُقبلَ عليه ويُعَلِّمَه..
ولم يَحتقرْ رسولُ اللهِ - ﷺ - ابنَ أُمِّ مكتومٍ الأعمى كما ادَّعى الفادي المجرمُ، ولم يُخطئْ في حَقِّه، فهو لم يَزِدْ على أَنْ عَبَسَ في وجهه، والرجلُ أَعمى لم يُشاهِدْ عُبوسَه، وفَهِمَ الحقيقةَ، وخَرَجَ غيرَ غاضبٍ ولا حزين.