النبيُّ - ﷺ -، أَخو موسى - ﷺ -..
والثاني: هارونُ أَخو مريمَ - عليه السلام -.
ومن المعلومِ أَنَّ النَّاس الصّالحينَ يُسَمّون أَبناءَهم بأَسماءِ الأَنبياءِ
والصالحينَ السابقين، تَفاؤُلاً وتَيَمُّناً وبَرَكَة، فكمْ من المسلمينَ مَنْ يُسَمّي ابْنَه
باسمِ محمدٍ، على اسمِ نبيِّنا محمدٍ - ﷺ -، وكم منهم مَنْ يُسَمّي ابنَه على اسمِ عمرَ أَو عثمانَ أَو على أَو خالدٍ رضي الله عن أَصْحابِ رسولِ اللهِ - ﷺ - أجمعين.
فلم يقع القرآنُ في خطأ تاريخيٍّ، عندما أَخْبَرَ أَنَّ اسْمَ والدِ مريمَ على
اسْمِ والدِ موسى، واسْمَ أَخيها على اسْمِ أَخي موسى.
فعمرانُ والدُ مريمَ غيرُ عمران والد موسى، وهارونُ أَخو مريمَ غيرُ هارونَ أَخي موسى - ﷺ -، لأَنَّ بين العِمْرانَيْنِ والهارونَيْن حوالي أَلفٍ وستمئة سنة!!.
وقَديماً أَثارَ الرهبانُ هذا الاعتراضَ على القرآن، زمنَ رسولِ اللهِ - ﷺ -، وحَلَّ الرسولُ - ﷺ - هذا الاعتراض.
روى مسلم برقم: ٢١٣٥، ، والترمذيُّ برقم: ٣١٥٥، ، عن المغيرةِ بنِ
شعبةَ - رضي الله عنه - قال: بَعَثَني رسولُ الله - ﷺ - إِلى نجران.
فقالوا: أَلَسْتُم تَقْرَؤون: (يا أخُتَ هَارُونَ) ؟.
قلتُ: بَلى!.
قالوا: وموسى قبلَ عيسى بكَذا وكذا؟ !.
فرجَعْتُ إِلى رسولِ اللهِ - ﷺ -، فأَخْبَرْتُه.
فقالَ: " أَلا أَخْبَرْتَهم أَنهم كانوا يُسَمّونَ بالأَنبياءِ والصالحينَ قبلَهم؟! ".
عندما أَثارَ أَحَدُ رهبانِ نصارى نجران الإِشكالَ أَمامَ المغيرةِ بنِ شعبة - رضي الله عنه -، لم يَعرفْ بماذا يُجيبُه، لأَنَّ ذلك الراهبَ رفضَ أَنْ يكونَ هارونُ
أَخاً لمريم، لأَنه أَخٌ لموسى، وبَيْنَ موسى وعيسى ما بينَهما من مئاتِ السنين.
فلما سأَلَ المغيرةُ رسولَ الله - ﷺ - عن ذلك أَجابَه بأَنَّ الصالحينَ من بني إِسرائيل كانوا يسمون أبناءَهم بأسماءِ الأَنبياءِ والصالحين من قبلهم..
أَيْ: هُما رَجُلان: هارونُ أَخو موسى، ثم هارونُ أَخو مريم (١) (٢).

(١) قال الفخر الرازي:
وأما هارون ففيه أربعة أقوال: الأول: أنه رجل صالح من بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، والمراد أنك كنت في الزهد كهرون فكيف صرت هكذا، وهو قول قتادة وكعب وابن زيد والمغيرة بن شعبة ذكر أن هرون الصالح تبع جنازته أربعون ألفاً كلهم يسمون هرون تبركاً به وباسمه.
الثاني: أنه أخو موسى عليه السلام وعن النبي ﷺ إنما عنوا هرون النبي وكانت من أعقابه وإنما قيل أخت هرون كما يقال يا أخا همدان أي يا واحداً منهم.
والثالث: كان رجلاً معلناً بالفسق فنسبت إليه بمعنى التشبيه لا بمعنى النسبة.
الرابع: كان لها أخ يسمى هرون من صلحاء بني إسرائيل فعيرت به، وهذا هو الأقرب لوجهين: الأول: أن الأصل في الكلام الحقيقة وإنما يكون ظاهر الآية محمولاً على حقيقتها لو كان لها أخ مسمى بهارون.
الثاني: أنها أضيفت إليه ووصف أبواها بالصلاح وحينئذ يصير التوبيخ أشد لأن من كان حال أبويه وأخيه هذه الحالة يكون صدور الذنب عنه أفحش. اهـ (مفاتيح الغيب. ٢١ / ١٧٧)
(٢) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:
٧٩- مريم العذراء بنت عمران
إن القرآن نسب مريم العذراء إلى عمران أبى موسى النبى. وقال: إنها أخت هارون النبى - عليه السلام - وهذا يخالف ما جاء فى إنجيل لوقا أنها بنت هالى [لوقا ٣: ٢٣] ويخالف التاريخ لأن بين مريم وهارون ألف وستمائة سنة.
الرد على الشبهة:
إن المؤلف نقل عن الإنجيل أن مريم بنت هالى. ونقله خطأ. والنص هو: " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة. وهو على ما كان يُظن ابن يوسف بن هالى بن متثات بن لاوى بن ملكى بن ينّا بن يوسف " إلى أن أوصل نسبه إلى " ناثان بن داود " عليه السلام. وهذا النص لا يدل على أنه نسب مريم كما قال المؤلف، وإنما يدل على أنه نسب المسيح. فكيف يكذب القرآن بنسب ليس لها؟ وكيف ينسبون المسيح إلى يوسف بن هالى. وفى الإنجيل أنه لا أب له ولا سبط له؟ ذلك قوله عن يوسف: " ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " [متى ١: ٢٤]، وكيف يكذبون القرآن بنسب على سبيل الظن؟ ذلك قوله: " وهو على ما كان يُظن " وفى إنجيل متى أن المسيح ابن يوسف بن يعقوب بن متّان بن اليعازر بن آليود. إلى أن أوصل نسبه إلى سليمان - عليه السلام -[متى ١].
والحق: أن مريم ابنة عمران الأب المباشر لموسى - عليه السلام - وهو أب مباشر لموسى، وهو أب لمريم لأنه رئيس العائلة التى تناسلت هى منها. وهارون ابن عمران. وهى من نسل هارون - عليه السلام - فيكون هو أخوها على معنى أنها من نسله. أما أبوها المباشر فاسمه " يهويا قيم " وأمها اسمها " حنة " كما جاء فى إنجيل يعقوب الذى لا يعترف به النصارى.
والنسب هكذا:
إبراهيم - إسحاق - يعقوب - لاوى وهو الابن الثالث ليعقوب. وأنجب لاوى ثلاثة هم جرشون وقهات ومرارى. وبنوقهات عمرام ويصهار وحبرون وعزئييل. وبنو عمرام هارون وموسى ومريم.
وقد وصى موسى عن أمر الله تعالى أن تتميز الأسباط التى تريد الإرث فى بنى إسرائيل. وذلك بأن تتزوج كل بنت فى سبطها. ففى سفر العدد: " وكل بنت ورثت نصيباً من أسباط بنى إسرائيل؛ تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها؛ لكى يرث بنو إسرائيل كلُّ واحد نصيب آبائه " [عدد٣٦: ٨]. ووصى بأن يتفرغ سبط لاوى للعلم والدين، ولا يكون له نصيب فى الأرض، وإنما يسكن بين الأسباط فى مدنهم، ووصى بأن تكون الإمامة فى نسل هارون وحده. وعلى هذه الشريعة نجد فى بدء إنجيل لوقا: أن " أليصابات " زوجة زكريا - عليه السلام - كانت من نسل هارون من سبط لاوى، وكان زكريا من نسل هارون من سبط لاوى. وتزوجت أليصابات زكريا. وأن مريم العذراء كانت قريبة لأليصابات. وإذا ثبت أنها قريبة لها؛ يثبت أن مريم هارونية من سبط لاوى. يقول لوقا: " كان فى أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبِيّا، وامرأته من بنات هارون، واسمها أليصابات.. إلخ " ويقول لوقا: " وهو ذا أليصابات نسيبتك.. إلخ "؛ قال لها الملاك ذلك وهو يبشرها بالحمل بعيسى - عليه السلام - فإذا صح أنها قريبة لها ونسيبة لها. فكيف يخطئ المؤلف القرآن فى نسبتها إلى هارون - عليه السلام -؟
وفرقة أبِيّا هى فرقة من بنى هارون، وهى الفرقة الثامنة من الفرق التى عدها داود - عليه السلام - للعمل فى المناظرة على بيت الرب. وخبرهم فى الإصحاح الرابع والعشرين من سفر أخبار الأيام الأول. اهـ (شبهات المشككين).


الصفحة التالية
Icon