وأجاب ابن جرير عن ما ورد عن ابن عباس لأنهم إذا قالوا: بأنه لا مُعَرَّب في القرآن. ورد أن ابن عباس يقول: هذه كلمة الحبشية، وهذه بلسان فارس، وهذه بلسان الروم. إذًا ابن عباس يرى أن في القرآن مُعَرَّب أن في القرآن ما هو مُعَرَّب وهذا واضح بين، أجاب ابن جرير رحمه الله عما ورد عن ابن عباس من تفسير ألفاظ في القرآن إنها بالحبشية والفارسية ونحو ذلك قال: إنما اتفق فيها توارد اللغات. اتفاق لغة فقط يعني: مشكاة ليست حبشية وإنما اتفقت اللغتان اللغة العربية أول ما وُضِعَت مشكاة فيها ووُضِعَت كذلك في الحبشية فاتفقت في الألفاظ وفي المعنى، إذًا مشكاة هذه ليست مُعَرَّبَة هي عربية أصلاً عربية بالأصالة وكذلك مشكاة هي حبشية بالأصالة ولكن اتفقت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس والحبشية بلفظ واحد. وقال غيره في الإجابة عن ما ورد عن ابن عباس: بل هذه ألفاظ عَلَقَت أو عَلِقَت من لغاتهم باللسان العربي بعد مخالطة الألسن في الأسفار فوقعت في كلامهم ونزل بها القرآن. يعني: هذه الألفاظ لما كانت رحلة تتجه إلى الشام والروم ورحلة إلى الحبشة.. إلى آخره، ما يذهب تاجر ويجلس أيام وشهر وشهرين إلا ويحفظ كلمة ويأتي إلى العرب فتندرج هذه الكلمة فتصير استعمالاً كما هو الشأن الآن. إذا ذهب ذاهب إلى أرض ليس بلغة قومه فحينئذٍ لا بد أن يحفظ منها كلمة أو كلمتين ثم إذا رجع يدندن بها صباح مساء، فقد تستقر هذه اللغة فحينئذٍ هذه الألفاظ مشكاة ونحوها مما سيذكره أو بعضها الناظم هذه جاءت بها الأسفار إلى محل العرب وانتشرت هذه الألفاظ حتى صارت كأنها من لغة العرب، فنزل القرآن على ما هو عليه وكانت هذه الألفاظ من استعمالهم.
وقال بعضهم: بل هذه الألفاظ عربية صرفة ليست بدخيلة ولكن لغة العرب متسعة ولا يبعد أن تخفى عن الأفهام. يعني يقول ابن عباس هو كبير من الأكابر لكن لغة العرب كما قال الشافعي في ((الرسالة)): لا يحيط بها إلا نبيٌّ. حينئذٍ كون ابن عباس يقول: هذه فارسية، هذه رومية. خفيت عليه لأن لسان العرب متسع فحينئذٍ قد يخفى عن ابن عباس بعض هذه الألفاظ فيظنها أنها دخيلة مُعَرَّبة وهي عربية صرفة، ولذلك جاء عن ابن عباس أنه خَفِيَ عليه معنى فاطر وفاتح وحنانًا ما عرف المعنى مع أنه عربي صِرف قُح، ومع ذلك خَفِيَتْ عليه بعض الألفاظ. إذًا لسان العرب متسع. هذا هو القول الأول عدم وقوع الْمُعَرَّب في القرآن.
القول الثاني: وقوع الْمُعَرَّب في القرآن. أنه واقع ودليل الجواب: الوقوع المشاهدة بما سيذكره المصنف في القرآن (كِالمِشْكاةِ)، (أَوَّاهُ)، (السِّجِلُّ)، (الكِفْلُ)، (القِسْطاسُ)... إلى آخره. هذه كلها ألفاظ دخيلة ليست بعربية صرفة وإنما هي باعتبار الأصل أعجمية ولكن تم استعملها العرب وصارت حكمًا عربيًا فنزل القرآن بهذه الألفاظ، وأجابوا عن قوله تعالى: ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾. يرد عليكم هذه الآية ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ يدل على أن القرآن كله عربي وحينئذٍ ما الجواب؟


الصفحة التالية
Icon