فوضعوا جميع الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال العرب هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني،
وأي دعوى خلاف ذلك فليست صحيحة لعدم نقلها إلينا (١).
(د) أن التقسيم ذاته غير صحيح من وجوه:
(١) أن دعوى المجاز تستلزم وضعا قبل الاستعمال، وهذا غير معلوم.
(٢) أنه يستلزم تعطيل الألفاظ عن دلالتها على المعاني، وذلك ممتنع؛ لأن الدليل يستلزم مدلوله من غير عكس.
(٣) أن التقسيم لا يدل على وجود المجاز، بل ولا على إمكانه، ولا يدل على ثبوت كل واحد من الأقسام في الخارج، ولا على إمكانها، فإن التقسيم يتضمن حصر المقسوم في تلك الأقسام وهي أعم من أن تكون موجودة، أو معدومة ممكنة، أو ممتنعة.
(٤) أن هذا التقسيم يتضمن التفريق بين المتماثلين، فإن اللفظ إذا أفهم هذا المعنى تارة، وهذا تارة، فدعوى المدعي أنه موضوع لأحدهما دون الآخر تحكم محض.
(٥) أنه يلزم منه الدور، فإن معرفة كون اللفظ مجازا متوقف على معرفة الوضع الثاني، ومستفاد منه، فلو استفيد معرفة الوضع من كونه مجازا لزم الدور الممتنع، فمن أين علم أن هذا وضع ثان للفظ؟ ومن أين علم أن وضع اللفظ لأحد معنيين سابق على وضعه للآخر؟
(٦) أن هذا التقسيم يتضمن إثبات الشيء ونفيه، فإن وضع اللفظ للمعنى هو تخصيص به، بحيث إذا استعمل فهم منه ذلك المعنى فقط، ففهم المعنى المجازي مع نفي الوضع، جمع بين النقيضين، وهو يتضمن أن يكون اللفظ موضوعا غير موضوع.
(٧) أن المجاز هو ما يصح أن يقال لقائله إنه فيه كاذب لأنه يخبر بالشيء على خلاف حقيقته فيصح أن يقال لمن قال: "رأيت أسدا يرمي": إنك كاذب، حيث

(١) - انظر: ٧/ ٩٠ - ٩١ من الفتاوى، ص٨٦ - ٨٧ من الإيمان، ٢/ ٢٤٣ - ٢٤٤ من مختصر
الصواعق، ص٦٢ من مذكرة الشنقيطي.


الصفحة التالية
Icon