قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ.. ﴾ الآية.
هذا المثال ذكره بعضهم لإثبات المجاز في القرآن، مع اختلافهم في معنى إيذاء الله تعالى.
فيرى بعضهم أن معنى إيذاء الله: إيذاء رسوله (١).
ويرى آخرون أن معنى إيذاء الله: إيذاء أوليائه (٢).
والذي اضطرهم إلى هذا التأويل الواضح ادعاؤهم المجاز فيها.
والحق: أن كلا التفسيرين ليس صحيحا، بل تحمل الآية على حقيقتها، وتجرى على ظاهرها، ويكون المعنى الصحيح لإيذاء الله: الكفر به، ومخالفة أوامره، وارتكاب زواجره، واتخاذ الأنداد والشركاء له، وتكذيب رسله عليهم الصلاة والسلام (٣)، ويدل على ذلك المعنى حديث "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، ويجعلون له أندادا، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم" (٤).
وأما تفسير من أوله بأنه إيذاء رسوله فهو مردود، بما ذكر، ثم إن الله نص في الآية نفسها على إيذاء الرسول بعد ذكره إيذاءه، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فيكون الكلام على هذا القول مكرراً، وهذا محال؛ لمنافاته الأسلوب الصحيح، والتعبير السليم، الذي جرى عليه كتاب الله.
وأما تفسير من قال بأنهم يؤذون أولياءه فهو غير صحيح من جهتين:
الأولى: ما ذكر سابقا من المعنى الصحيح في الآية.
الثانية: أن الآية نفسها فيها ذكر للرسول، وللمؤمنين والمؤمنات وهم أولياء الله، فيكون في الكلام تكرار لا يليق بكتاب الله، ولو قيل به لحصل المحظور، وهو
(٢) - ١/ ١٠٥ من المستصفى، ٢/ ٦٩٦ من العدة.
(٣) - انظر: ٣/ ٥١٧ من تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط/دار الفكر، ٧/ ٢٣٧ من تفسير القرطبي، ص٦٠ من مذكرة الشنقيطي.
(٤) - أخرجه البخاري (٥/ ٢٢٦٢) (٥٧٤٨)، ومسلم (٤/ ٢١٦٠) (٢٨٠٤) من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -.