الإخبار بما يسوء، ومنه قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ومنه قول الشاعر:
وبشرتني يا سعد أن أحبتي...... جفوني وقالوا الود موعده الحشر
وقول الآخر:
يبشرني الغراب ببين أهلي......... فقلت له ثكلتك من بشير
والتحقيق: أن إطلاق البشارة على الإخبار بما يسوء، أسلوب من أساليب اللغة العربية، ومعلوم أن علماء البلاغة يجعلون مثل ذلك مجازاً، ويسمونه استعارة عنادية، ويقسمونها إلى تهكمية وتمليحية كما هو معروف في محله] (١).
وقال أيضاً: [أطلق جل وعلا في هذه الآية الكريمة - أي قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً﴾ -، الرزق وأراد المطر، لأن المطر سبب الرزق، وإطلاق المسبب وإرادة سببه لشدة الملابسة بينهما، أسلوب عربي معروف، وكذلك عكسه الذي هو إطلاق السبب وإرادة المسبب كقوله:
أكنت دماً إن لم أرعْكِ بضرَّة......... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
فأطلق الدم وأراد الدية، لأنه سببها.
وقد أوضحنا في رسالتنا المسماة: منع جواز المجاز، في المنزل للتعبد والإعجاز، أن أمثال هذا أساليب عربية، نطقت بها العرب في لغتها، ونزل بها القرآن، وأن ما يقوله علماء البلاغة من أن في الآية ما يسمونه المجاز المرسل الذي يعدون من علاقاته السببية والمسببية، لا داعي إليه، ولا دليل عليه، يجب الرجوع إليه.
وإطلاق الرزق في آية المؤمن هذه على المطر جاء مثله، في غير هذا الموضع كقوله تعالى في أول سورة الجاثية ﴿وَمَآ أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فأوضح بقوله ﴿فَأَحْيَا بِهِ الاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أن مراده بالرزق المطر، لأن المطر هو الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها.
وقد أوضح جل وعلا، أنه إنما سمي المطر رزقاً، لأن المطر سبب الرزق، في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى في سورة البقرة {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ

(١) - (٤/ ٩) (الكهف/١: ٥)، وانظر أيضاً (٧/ ٣٤٢) (الجاثية/٦: ٨).


الصفحة التالية
Icon