﴿يَاأَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ من اليهود والنصارى ﴿آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا﴾ من القرآن، على رسولنا محمد ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من التوراة والإنجيل ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً﴾ نغيرها بالمسخ ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ﴾ نطردهم من رحمتنا أو نمسخهم قردة ﴿كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ اليهود الذين خالفوا بالصيد يوم السبت؛ وقد نهوا عنه ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾
يمدحونها ويصفونها بالطاعة والتقوى؛ وهو إثم. وأريد بهم اليهود؛ حيث قالوا ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ وليست تزكية النفس بالقول ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ﴾ يأجره ويجزيه ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ هو كناية عن القلة. والفتيل: الذي يفتل بين الأصابع؛ لتفاهته وقلته
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ﴾ اليهود ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ﴾ الصنم، أو الكاهن، أو الساحر ﴿وَالطَّاغُوتِ﴾ كل رأس في الضلال. وقيل: الجبت والطاغوت: صنمان كانوا يعبدونهما في الجاهلية ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ﴾ أي هؤلاء الناس الذين وصفهم كتاب محمد بالكفر ﴿أَهْدَى﴾ سبيلاً ﴿مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بمحمد
﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ طردهم من رحمته
﴿أَمْ لَهُمْ﴾ أي أم لهؤلاء اليهود ﴿نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ﴾ من ملك الله؛ يعطون من أرادوا ويمنعون من شاءوا ﴿فَإِذَآ﴾ إذا كان لهم نصيب من الملك ﴿لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً﴾ النقير: النقرة في ظهر النواة؛ وهو مثل في القلة: ضربه الله تعالى لهم؛ إشارة لشدة بخلهم. وهذا كقوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ﴾
﴿أَمْ﴾ بل ﴿يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ المسلمين ﴿عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ وهو بعث الرسول محمد صلوات الله تعالى وسلامه عليه فيهم، وإنزال القرآن الكريم إليهم ﴿فَقَدْ آتَيْنَآ﴾ من قبل محمد ﴿آلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ إبراهيم وأبناءه عليهم السلام ﴿الْكِتَابَ﴾ الكتب التي أنزلت إليهم: كصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزبور داود ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾
النبوة والعلم النافع ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً﴾ كملك سليمان - وهو من آل إبراهيم: وقيل: المراد بالملك: النبوة، والجاه، وكثرة الأتباع، والانتصار على الكفار. وذهب أكثر المفسرين - سامحهم الله - إلى أن المقصود بـ ﴿النَّاسُ﴾ في الآية: محمد، وبالفضل الذي آتاهالله: ما أباحه له من النسوة؛ ينكح منهن ما شاء بغير عد ولا حد. وقد وثقوا هذا التأويل الفاسد بعنعنة دونوها، وأسماء طنانة أوردوها، وألفاظ نمقوها، وهو قول فاسد يأثم قائله وراويه وناقله، ومعتقده فلا حول ولا قوة إلا ب الله
﴿فَمِنْهُمْ﴾ أي من الذين أوتوا الكتاب من يهود
-[١٠٢]- بني إسرائيل ﴿مَّنْ آمَنَ بِهِ﴾ أي بمحمد عليه الصَّلاة والسَّلام. أو ﴿مَّنْ آمَنَ بِهِ﴾ أي بالكتاب - أي كتاب منزل - وليس فيه. ما يؤمنون به من الجبت والطاغوت بل فيه نعت محمد عليه الصَّلاة والسَّلام، وأنباء بعثته ﴿وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ﴾ أي أعرض ومنع الناس عن الإيمان به


الصفحة التالية
Icon