﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم﴾ هي عند بعضهم بمعنى: أرأيتم.
وعند الآخرين بمعنى: أخبروني ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ الذي توعدكم به في الدنيا ﴿أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ﴾ القيامة ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ ليكشف ما حل بكم. والمعنى: هل يوجد عندئذ من يستطيع أن يمنعكم من عذاب الله تعالى، أو أن يدفع عنكم بأسه
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾ منه وحده تطلبون ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ﴾ أي إن أراد أن يكشف ما نزل بكم ﴿وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ به في عبادته
﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ﴾ بالبؤس؛ وهو القحط والجوع ﴿وَالضَّرَّآءِ﴾ الضرر؛ وهو المرض، ونقصان الأنفس ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ إلينا فنكشف ما بهم
﴿فَلَوْلا﴾ فهلا ﴿إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ﴾ عذابنا ﴿تَضَرَّعُواْ﴾ تذللوا إلينا لنكشف عنهم ما نزل بهم؛ كعادتنا دائماً
﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ أي تركوه فلم يعملوا به ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قوينا جسومهم، ووسعنا أرزاقهم، وبذلنا لهم المزيد من الخيرات والنعم؛ استدراجاً لهم ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ﴾ فرح بطر وكفران، لا فرح شكر وإيمان ﴿أَخَذْنَاهُمْ﴾ بالعذاب ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة. عن سيد الخلق صلوات الله تعالى وسلامه عليه «إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاءون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم» ثم تلا ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإًّذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ﴾ أي قانطون يائسون. يقال: أبلس من رحمة الله؛ إذا قنط؛ ومنه سمي إبليس. والإبلاس أيضاً: الانكسار والحزن
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ﴾ استؤصلوا عن آخرهم ﴿مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾
أي بما أخذه منكم ﴿ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يعرضون
﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم﴾ أرأيتم ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً﴾ فجأة؛ بغير مقدمات، أو دلائل تدل على مجيئه؛ فقد تأتي النقمة من جهة الرحمة، وقد يحل القحط من جهة الرخاء؛ فقد يمطر السحاب ناراً، وقد تقذف الأرض حمماً ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾ ظاهراً بمقدمات تدل على إتيانه. أو المراد: ﴿بَغْتَةً﴾ ليلاً، و ﴿جَهْرَةً﴾ نهاراً ﴿فَمَنْ آمَنَ﴾ ب الله ﴿وَأَصْلَحَ﴾ عمله
﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ﴾ فأملك التصرف فيها، والإعطاء منها ﴿وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ فأستكثر من الخير. وها هو الرسول الأعظم؛ سيد الخلق قاطبة يقول له ربه: أعلن على الملإ أنك لا تعلم الغيب؛ فا بال أقوام يدعون علم ما مضى، وما حضر، وما استقبل؟ وأعجب من ادعائهم هذا: أنهم يجدون من يصدقهم ويثق بأقوالهم؛ مع أنهم من كبار الدجاجلة، وقد جاء ذكرهم والتحذير منهم في شتى الأحاديث؛ فليحذر المؤمن من تمويههم وباطلهم؛ وليعلم أن الاستسلام لمثل أقوالهم ضرب من الكفر قال -صلى الله عليه وسلم-:
-[١٥٨]- «من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ ذهب بعضهم إلى تفضيل الملك على الرسول؛ بدليل هذه الآية. والآية الكريمة لا يؤخذ منها التفضيل؛ بل المراد نفي الأفعال الخارقة للعادة، والتي لا تتأتى إلا من الملائكة عليهم الصلاة والسلام ﴿إِنْ أَتَّبِعُ﴾ ما أتبع فيما أقول وأعمل ﴿إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ من ربي ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى﴾ الكافر ﴿وَالْبَصِيرُ﴾ المؤمن ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ في ذلك فتؤمنون


الصفحة التالية
Icon