﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾ يخلطكم فرقاً؛ على أهواء شتى متباينة ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ شدة بعض في القتال. لما نزل قوله تعالى ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ﴾
قال «أعوذ بوجهك» فلما نزل ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قال: «أعوذ بوجهك» فلما نزل ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قال: «هذا أهون وأيسر». وقد ذهب بعض مفسري هذا العصر إلى أن قوله تعالى: ﴿عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ﴾ هو ما يلقى من الطائرات، من قنابل ومهلكات، وقوله: ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ هو الديناميت الذي يدسه الأعداء في باطن الأرض؛ يدل على ذلك ما بعده: ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ ولم يقل ويذيقكم بأسه. وهو قول ظاهر التكلف، بادي التعسف. والمعنى المراد من الآية: ﴿عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ﴾ هو الصواعق - التي أهلك الله تعالى بها كثيراً من مكذبي الأمم قبلنا - وما تلقيه البراكين من الأحجار والحمم. وقوله: ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ هو الخسف والزلازل؛ أعاذنا الله تعالى من نقمته، بمنه ورحمته
﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ﴾ أنبأتكم به، وعذاب ذكرته لكم ﴿مُّسْتَقِرٌّ﴾ أي قرار يستقر عنده، ونهاية ينتهي إليها؛ فيعلم صدق النبإ من كذبه ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ صدق ما أنبأتكم به؛ حين ينزل بواديكم العذاب، وتندمون؛ ولات ساعة مندم
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ يتكلمون فيها بما لا يليق؛ من النقد، أو الطعن، أو التكذيب ﴿وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾ تركهم عند خوضهم، والإعراض عنهم ﴿فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى﴾ أي بعد التذكر
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الخوض مع الخائضين ﴿مِنْ حِسَابِهِم﴾ من آثام الخائضين ﴿مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى﴾ أي ولكن قيامهم وعدم القعود معهم لتذكيرهم بالقيام عنهم، وإظهار الكراهة لهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الخوض في آيات الله
﴿وَذَرِ﴾ اترك ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ﴾ الذي دعوا إليه، وكلفوا باتباعه، وهو الإسلام
﴿لَعِباً وَلَهْواً﴾ سخرية واستهزاء ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ خدعتهم بزخرفها وبهرجها؛ فانقادوا إليها، وتمسكوا بها؛ وتركوا الآخرة وما يوصل إليها وراء ظهورهم ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾ عظ بالقرآن، أو بالدين ﴿أَن تُبْسَلَ﴾ مخافة أن تبسل. والبسل: الحبس، والفضيحة، والهلاك. والبسل: أيضاً الإعجال والشدة. وأصل الإبسال: المنع ﴿وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾ وإن تقدم كل فداء؛ والعدل: المثل ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ﴾ حبسوا، أو فضحوا، أو أهلكوا ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾ ماء شديد الحرارة
﴿قُلْ أَنَدْعُواْ﴾ أنعبد ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ نرجع كما كنا كفاراً ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ للإسلام وأنجانا من
-[١٦١]- عبادة الأصنام؛ ونكون ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ﴾ أضلته ﴿الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ﴾ بإغوائهم وتزيينهم؛ وصيرته ﴿حَيْرَانَ﴾ لا يدري ما هو فاعل، وماذا تكون عاقبته؟ ﴿لَهُ أَصْحَابٌ﴾ رفقة خيرون؛ يتمنون نجاته من زلته وتخليصه من سقطته ﴿يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى﴾ قائلين له ﴿ائْتِنَا﴾ أي ارجع عن غيك، وتعال في زمرتنا. فلا يجيبهم إلى ما يطلبونه، ولا يتبعهم إلى الهدى ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ﴾ الإسلام، والتوفيق إليه ﴿هُوَ الْهُدَى﴾ وما عداه فهو ضلال ووبال


الصفحة التالية
Icon