﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾ الله تعالى يوم القيامة لما يريد ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ ما أراده من فناء الدنيا، وموت الخلائق؛ ثم إحيائهم ثانية، ثم محاسبتهم على ما عملوا، ثم إدخال أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار كل هذا يتم من غير جهد، ولا عناء؛ بل بقوله تعالى ﴿كُنَّ﴾ كما قال للسموات والأرض؛ كونا؛ فكانتا. ولآدم: كن؛ فكان. ولفظ
﴿كُنَّ﴾ هي في الواقع تقريب لأذهاننا؛ لنعلم أنه تعالى لا يعجزه مطلب، ولا يؤده شيء - مهما عظم - وفي الحقيقة أنه تعالى إذا أراد شيئاً: كان؛ بغير افتقار للفظ ﴿كُنَّ﴾ فتعالى القادر المقتدر ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ﴾ القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام. وقيل: «الصور» جمع صورة؛ كبسر وبسرة
﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ﴾ أي مثل ما أريناه كفر قومه، وأطلعناه على فساد عبادتهم للأصنام: نريه ﴿مَلَكُوتَ﴾ ملك، وسلطان. قيل: الملك: السلطان الظاهر، والملكوت: السلطان الباطن؛ فهو الملك التام؛ ظاهره وباطنه ﴿السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وما حوتا من عجائب المخلوقات، وغرائب المصنوعات؛ ليستدل بذلك على وجودنا ووحدانيتنا ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ عياناً، كما أيقن بياناً
﴿فَلَمَّا جَنَّ﴾ أظلم ﴿عَلَيْهِ الْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً﴾ قيل: هو الزهرة، أو المشتري، أو هو أي كوكب من كواكب السماء؛ وهي تبلغ ملايين الملايين؛ بل لا يحيط بها عد العادين، وإحصاء المحصين؛ فلما رأى هذا الكوكب ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ لا يخفى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يؤمن بالكوكب وغيره إيماناً يقينياً؛ وما كان له أن يقر بالربوبية لغير الله - وقد اختاره للنبوة والرسالة والإمامة - وحاشا أن يتصف إبراهيم بمثل هذا وإنما قال ما قال، وفعل ما فعل: لفتاً لأنظار قومه إلى فساد ما يعبدونه، وتسفيهاً لأحلامهم ﴿فَلَمَّآ أَفَلَ﴾ غاب هذا الكوكب
﴿فَلَمَّآ رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً﴾ طالعاً، أو مبتدئاً في الطلوع
﴿فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً﴾ طالعة.
-[١٦٢]- ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ﴾ من كل الكواكب التي ظننتها رباً ﴿فَلَمَّآ أَفَلَتْ﴾ غابت وامحى ضوؤها؛ وأثبت إبراهيم لقومه بذلك أن الله المعبود: يجب أن يكون أكبر من كل شيء، وأنه يجب ألا يطرأ عليه التغير، ولا يجوز له الأفول حينذاك انتقل إبراهيم من الاستدلال إلى التقرير، ومن الاستقراء إلى التوثيق والتثبت؛ وواجه قومه بما يجب أن يواجههم به؛ قائماً بالدعوة المطلوبة منه والمرسل بها ﴿قَالَ يقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ به الله تعالى في العبادة


الصفحة التالية
Icon