﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ ظناً منه أن النار جسم شفاف نوراني، والتراب جسم كثيف ظلماني؛ وهو أول من قال بالقياس؛ وفاته أن القياس لا يجوز مع صريح النص؛ فقد أمره تعالى بالسجود وهو عالم أنه مخلوق من نار، وأن آدم مخلوق من تراب؛ وهو جل شأنه ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ﴾
﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا﴾ فانزل من الجنة ﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ دل ذلك على أن التفاخر بالأنساب من أشد الكبر ﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أي من أهل الصغار؛ وهو الذل والهوان؛ وهكذا كان الجزاء من جنس العمل: لما تكبر إبليس وتعالى على أمرالله: أذله الله تعالى، وألحق به الصغار والهوان؛ وطرده من جنته، وحرمه من رحمته
﴿قَالَ﴾ إبليس لربه ﴿أَنظِرْنِي﴾ أي أمهلني
﴿قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي﴾ أضللتني؛ أي بإغوائك لي؛ وهذه إحدى مكائد الشيطان اللعين؛ حيث ينسب الإضلال لرب العالمين إذ أنه تعالى لم يضله إلا بعد أن ضل بنفسه، وانحط إلى درك المخالفة، وجادل ربه تعالى مجادلة الند للند، وعاب خلقه وصنعه، وعصى أمره ومن عجب أن يقول قوم بما قال به إبليس، ومن عجب أن يقول قوم بما قال به إبليس وينسبون الأضلال لهادي الضلال، والإغواء لمن ينهى عن الغي ويعاقب عليه؛ ويقولون: إن إبليس أعلم ب الله ممن ينفي عن ربه الإضلال والإغواء (انظر آية ٢٠٠ من سورة الشعراء) ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ أي لبني آدم ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي أمنعهم عن الطريق القويم الموصل إليك
﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أي من قبل الآخرة؛ التي هي أمامهم وبين أيديهم؛ أشككهم فيها، وأزين لهم عدم مجيئها وأنه لا بعث، ولا جنة، ولا نار ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من قبل الدنيا؛ لأنها وراءهم؛ أحببهم فيها، وأزيدهم تمسكاً بها ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من قبل الحق؛ لأنه يوصف باليمين؛ أزين لهم أكله، وأشبه عليهم أمر دينهم ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ من قبل الباطل؛ أشهي لهم المعاصي، وأدفعهم إلى ارتكابها
لقد جاءك إبليس يا ابن آدم من كل جانب، ومن كل وجهة؛ لكنه لم يأتك من فوقك؛ فلم يستطع أن يحول بينك وبين رحمته ورضوانه ومغفرته، فهلم إلى ربك، ادعه يستجب لك، واطلب منه أن ينجيك من إبليس ومن ترصده لك، وإيقاعه بك فهو وحده القادر على حمايتك وعصمتك عصمنا الله تعالى من المهالك، وأعاذنا ممن جعله فتنة للناس ولم يجعل له سلطاناً عليهم، وأذل جنده، وأضعف كيده ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾
﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً﴾ معيباً محقراً ﴿مَّدْحُوراً﴾ مطروداً
﴿وَيَا آدَمُ
-[١٨١]- اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾
حواء ﴿الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ فيها ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ أيَّ شجرة؛ نهاهما ربهما عنها امتحاناً لهما وابتلاء؛ وليسجل عليهما ضعفهما، وليلجأ إليه بالاستغفار، ويجأرا إليه بالتضرع ﴿فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم بالعصيان (انظر آية ٣٥ من سورة البقرة)


الصفحة التالية
Icon