﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ﴾ أي قالت الأمم المتقدمة ﴿لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ إذ أنكم كفرتم كما كفرنا؛ فلم يزد فضلكم علينا؛ لكنكم لو كنتم اعتبرتم بما حل بنا وآمنتم: كان ذلك فضلاً يميزكم علينا. وبذلك انقطعت حجة المتأخرين على المتقدمين، وتساووا في الكفر برب العالمين وحينئذ يقول رب العزة للفريقين ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ تعملون
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ القرآن ﴿وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ﴾ فلم يؤمنوا بها ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ﴾ أي لا يصعد لهم عمل صالح ولا يقبل منهم، أو لا تنزل لهم رحمة من السماء، أو لا تفتح لأرواحهم بعد الموت؛ بل يذهب بها إلى سجين؛ وما أدرك ما سجين ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ أبداً ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ أي حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة؛ ويطلق الجمل أيضاً على حبل السفينة الغليظ، وعلى النخل؛ وقد علق الله تعالى دخولهم الجنة على مستحيل؛ فلن يدخل الجمل - سواء كان بعيراً، أو حبلا، أو نخلاً - في خرت الإبرة؛ كما علق تعالى رؤية موسى له؛ على استقرار الجبل فلم يستقر؛ بل جعله ربك دكاً وخرَّ موسى صعقاً
﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ فراش ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ أغطية؛ فكانت النار لهم وطاء وغطاء. وقد جعل الله تعالى العذاب مكان الأمن والدعة والراحة؛ عافانا الله تعالى برحمته من غضبه ونقمته
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ أي إن الإيمان والأعمال الصالحة في وسع كل إنسان؛ فلا حجة لمقصر، ولا عذر لمتخلف
وهل ترى من قصد إلى المسجد؛ فتوضأ وصلى وابتهل إلى ربه: خسر من ماله، أو من صحته، أو من عرضه؛ مثل من قصد إلى حانة أو ماخور؛ فخسر ماله وصحته وعرضه بل خسر أيضاً دنياه وآخرته وربما جره ذلك إلى أشد العقوبات، وأفتك الأمراض فأي الفريقين أحق بالأمن؟ وأي الطريقين أهدى وأرخص وأيسر؟ طريق الجنة، أم طريق النار؟ وحقاً إن النار لتشرى بالنقود،
-[١٨٥]- والجنة تنال بالمجان وقد تمت المنة، وكملت النعمة، وسقطت المعذرة، وقامت لله الحجة البالغة؛ بقوله ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾


الصفحة التالية
Icon