﴿قَالَ﴾ له معدداً أفضاله عليه ﴿يمُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي﴾ اصطفيتك: اخترتك (انظر آية ١٦٤ من سورة النساء) ﴿فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ﴾ من التوراة، وبلغها لقومك ﴿وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ لي على هذا الاصطفاء
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ﴾ وذلك لأن التوراة كانت تنزل على موسى مكتوبة في الألواح، أو كان يكتبها - بأمر ربه - في الألواح؛ ولا حاجة بنا إلى أن نخوض في صفة هذه الألواح؛ وهل كانت من ياقوت أو زبرجد، أو زمرد، أو من سدر الجنة؛ مما خاض فيه أكثر المفسرين، وأطنبوا في وصفه؛ حيث لا حاجة بنا إلى ذلك ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ من التنبيه إلى وجود الله تعالى والتذكير بعظمته ﴿مَّوْعِظَةٌ﴾ لهم ﴿وَتَفْصِيلاً﴾ تبييناً ﴿لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ يحتاجون إليه لمعاشهم ومعادهم ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزم واجتهاد ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾ وذلك لأن في التوراة: الحسن والأحسن؛ كالاقتصاص والعفو، فإن العفو خير من القصاص، وكاتباع الأوامر واجتناب النواهي، فإن اتباع الأوامر خير من اجتناب النواهي ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ أي سأريكم ما حل بفرعون وقومه من عذاب وتشريد، وأورثكم أرضهم وديارهم؛ والمراد بدار الفاسقين: مصر
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي﴾ دلائل قدرتي وعظمتي
﴿الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ﴾ فلا يؤمنون بي، ولا يصدقون رسلي ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ﴾ دالة على وحدانيتي ﴿لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ﴾ طريق الهدى والصلاح ﴿لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ﴾ طريق الفساد والضلال ﴿يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ طريقاً لهم يتمسكون به، ويسيرون فيه ﴿ذلِكَ﴾ الصرف عن الآيات، والوقوع في الضلالات ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بعد ظهورها ووضوحها؛ فاستحقوا بذلك الصرف عما ينجي، والوقوع فيما يردي
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ فلم يؤمنوا بها؛ واتخذوا لقدرة الله تعالى وآياته أسباباً؛ كقولهم: إن المطر بالنوء، وإن الزلازل من تفاعلات أرضية، وإن البراكين ترجع إلى أسباب طبيعية؛ كتسرب ماء البحار وتبخره من الحرارة ومحاولته الخروج، وإن الأرض والكواكب تدور في أفلاكها بقوى مغناطيسية، ودوافع جاذبية، وإن الأرض كانت قطعة من الشمس فزالت منها، وانفصلت عنها؛ وهم بهذه التعلات والأسباب يحاولون أن يسندوا كل كائن إلى أسباب طبيعة؛ يدفع بعضها بعضاً بغير حاجة إلى موجد أو إلى صانع؛ ناسين الخالق الرازق، القادر
-[٢٠٠]- القاهر، العظيم الجبار؛ فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً سبحانه ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ وهؤلاء المكذبين: كذبوا بآيات الله تعالى ﴿وَلِقَآءِ الآُخِرَةِ﴾ وهي القيامة، والبعث، والحساب، والجزاء ﴿حَبِطَتْ﴾ بطلت ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾ التي عملوها في الدنيا؛ فلا يقام لها وزن؛ فكم من عالم: ملأ علمه طباق الأرض؛ وسارت مخترعاته في طولها والعرض؛ وهو من أهل النار: لكفره بالله، وإيمانه بالقوى التي أوجدها الله بقدرته ومشيئته وكم من جاهل: صفت نيته، وحسنت عبادته؛ وآمن بمولاه؛ فكان من أهل النجاة ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ﴾ أي هل يجزى هؤلاء المكذبون الغافلون؛ يوم القيامة من العذاب ﴿إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي إلا جزاء ما عملوا في الدنيا


الصفحة التالية
Icon