﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ﴾ أي بعد ذهابه لميقات ربه ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ﴾ أي مما يتحلون به من الذهب والفضة ﴿عِجْلاً جَسَداً﴾ أي عجلاً مجسماً ﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾ له صوت؛ والخوار: صوت البقر؛ وقد كان إبليس اللعين يدخل في جسد العجل، ويخور كما يخور، وقيل: صنعوه بحيث إذا تعرض للهواء: خرج منه صوت يشبه خوار العجل ﴿اتَّخَذُوهُ﴾ عبدوه
﴿وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ﴾ هو كناية عن اشتداد الحسرة والندامة
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى﴾ من ميقات ربه ﴿إِلَى قَوْمِهِ﴾ بعد أن تلقى أمر ربه ووحيه ﴿غَضْبَانَ أَسِفاً﴾ مما رآهم عليه من الإنصراف عن عبادة الله تعالى؛ - الخالق الرازق، الضار النافع، السميع العليم - إلى عبادة صنم أخرس؛ لا يخلق ولا يرزق، ولا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ تعجلتم سخطه وغضبه وعذابه ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ﴾ التي في يده، وفيها التوراة، التي تلقاها عن ربه ليبلغها لهم؛ وذلك ليتفرغ للنضال مع أخيه هارون؛ الذي استخلفه عليهم؛ وقد توهم أن هارون لم يقم بما استخلفه عليه، وأهمل في اتباع أوامره ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ فهال ذلك هارون؛ وخشي على نفسه من أخيه موسى، ورأى وضوح عذر موسى في هذا الاعتداء - رغم أن هارون كان مضطراً ومغلوباً على أمره - ﴿قَالَ﴾ هارون لموسى معتذراً ﴿ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي﴾ بعد ذهابك ﴿وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَآءَ﴾ بما تفعله الآن معي ﴿وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أي لا تجعلني - بعدائك لي - في مصاف الكافرين ويؤخذ من هذه الآية أن حالة الغضب لا يصح أن تقاوم بالشدة؛ بل باللين، خصوصاً بين متحابين فانظر كيف أن هارون عليه السلام حينما قابل غضب أخيه وبأسه بلينه وهدوئه: سكن موسى وطلب لنفسه ولأخيه الغفران
﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ﴾
-[٢٠١]- التي وسعت كل شيء


الصفحة التالية
Icon