﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ لأنهم لن ينالوا ما يبتغونه؛ وسيتم الله تعالى نعمته بإكمال دينه ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ في الدنيا؛ بالقتل وذهاب الأموال، والخزي
﴿لِيَمِيزَ﴾ يفصل ﴿الْخَبِيثَ﴾ الكافر ﴿مِنَ الطَّيِّبِ﴾ المؤمن؛ فيجعل الخبيث في نيران الجحيم والطيب في جنات النعيم أو هو عام في كل شيء: في العبادات، والمعاملات، والنفقات والصدقات، وفي سائر الأعمال التي يخبثها الرياء، والأذى، والمن. ويطيبها الإخلاص في الطاعات، وتطهير السر والعلن ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ﴾ يجمعه ويجعله متراكماً
﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ﴾ يرجعوا عن الكفر ﴿يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ ما قد مضى من ذنوبهم؛ لأن الإيمان يجب ما قبله ﴿وَإِنْ يَعُودُواْ﴾ إلى الكفر بعد انتهائهم عنه ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ﴾
أي طريقتنا في معاملة الكافرين؛ وهي إهلاكهم واستئصالهم؛ فكذا نفعل بهم
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ حتى لا يكون شرك ﴿فَإِنِ انْتَهَوْاْ﴾ عن الكفر ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيهم عليه
﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أعرضوا عن الإيمان، وبان منهم العدوان ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ﴾ ناصركم ومعينكم
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ من مال الكفار في القتال ﴿فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ يأمر فيه تعالى بما يشاء؛ وأربعة الأخماس للمحاربين الغانمين؛ وقد قسم الله تعالى الخمس على خمسة ﴿وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ قرابته ﴿وَالْيَتَامَى﴾ أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ ذوي الحاجة من المسلمين ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ الذي انقطع به الطريق في السفر ﴿إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ أي وآمنتم بما أنزلنا على عبدنا محمد من الآيات والمعجزات، والملائكة الذين أنزلناهم لنصرته ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ يوم النصر، وهو يوم بدر؛ وسمي «يوم الفرقان» لأنه يوم فرق الله تعالى به بين باطل المشركين، وحق المؤمنين
﴿إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا﴾ جانب الوادي القريب وهو من الدنو ﴿وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى﴾ جانب الوادي البعيد ﴿وَالرَّكْبُ﴾ أي ركب المشركين ﴿أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ في مكان منخفض؛ مما يلي البحر ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ﴾ أنتم والأعداء، على هذا اللقاء ﴿لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن﴾ تم هذا التوافق ﴿لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ وهو نصر الإسلام، ومحق الكفر، وإعلاء كلمة الله تعالى:
-[٢١٦]- ﴿لِّيَهْلِكَ﴾ ليكفر ﴿مَنْ هَلَكَ﴾
من كفر ﴿عَن بَيِّنَةٍ﴾ حجة واضحة؛ هي انخذالهم - وهم الأكثرون الأقوياء وانتصار المؤمنين عليهم - وهم الأقلون الضعفاء - ﴿وَيَحْيَى﴾ يؤمن ﴿مَنْ حَيَّ﴾ من آمن ﴿عَن بَيِّنَةٍ﴾ حجة ظاهرة. وأي حجة أَبين وأظهر من غلبة الضعيف للقوي وانهزام الجيش اللجب، ذي السطوة والقوة. أمام شرذمة لا حول لها ولا طول إلا ب الله ذي العزة والمنعة ولم تكن البينة في انتصار الضعفاء على الأقوياء فحسب؛ بل لقد رأى المسلمون - وهم الأقلون - الكافرين قليلاً - وهم الأكثرون - ورأى الكافرون المسلمين كثيراً؛ فانخلعت قلوبهم، وأمكن الله تعالى منهم ولم تكن بينة الله تعالى - التي جعلها فيصلاً بين الكفر والإيمان - قائمة على انتصار الضعفاء على الأقوياء، ورؤية الأقلين للأكثرين قليلاً، والأكثرين للأقلين كثيراً؛ لم يكن هذا وحده؛ بل رأى المسلمون والكافرون في هذه المعركة جنود الله تعالى من الملائكة جهاراً تنكل بالكافرين تنكيلاً، وتحصد عتاة المشركين وسراتهم حصداً؛ ولقد كان المؤمن يقصد الكافر بسيفه؛ فتطيح رأس الكافر قبل أن يصل سيف المؤمن إلى عنقه


الصفحة التالية
Icon