﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ أي يريك الكفار ﴿فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً﴾ فسررت واطمأننت لذلك، وأخبرت أصحابك فسروا واطمأنوا ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ﴾ جبنتم ﴿وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾ أي لترددتم بين الثبات والفرار ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾ بما أراك في منامك؛ مما تقوى به قلوبكم، وتشتد به عزائمكم ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بمكنونات القلوب وما خفي فيها
﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ﴾ في القتال ﴿فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً﴾ كما أراكهم في منامك ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ قلة تزيد عن قلتكم؛ ليطمعوا فيكم، ويقدموا على قتالكم، ولا يحجموا عن حربكم؛ وكان ذلك قبل الالتحام؛ فلما التحم الفريقان أراهم إياكم مثليهم؛ قال تعالى: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾
﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ﴾ تتنازعوا ﴿فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ أي تضعفوا وتذهب قوتكم، وتدول دولتكم
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً﴾ طغياناً ﴿وَرِئَآءَ النَّاسِ﴾ أي رياء وهم أهل مكة حين نفروا لحماية العير؛ فأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم. فأبى أبو جهل، وقال: حتى نقدم بدراً، وننحر بها الجزور، ونشرب الخمور، وتعزف القيان؛ ونطعم العرب - فذلك بطرهم ورياؤهم الناس بإطعامهم - فوافوها: فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان؛ فنهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم: بطرين، طربين، مرائين ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ يمنعون ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ دينه
﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ التي عملوها في معاداة الرسول ﴿وَقَالَ﴾ لهم الشيطان؛ تقوية لقلوبهم ﴿لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ
-[٢١٧]- مِنَ النَّاسِ﴾
وقد ظهر لهم الشيطان على صورة سيد الناحية التي تم فيها القتال ﴿وَإِنِّي جَارٌ﴾ أي مجير ﴿لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ﴾ تلاقى الجمعان ﴿نَكَصَ﴾ رجع الشيطان ﴿عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ هارباً ﴿وَقَالَ﴾ وذلك حين رأى إبليس اللعين، الملائكة المقربين؛ يضربون الكفار مع المسلمين؛ فقال: ﴿إِنَّي أَرَى﴾ بعيني رأسي ﴿مَا لاَ تَرَوْنَ﴾ أنتم ﴿إِنَّي أَخَافُ اللَّهَ﴾ كذب اللعين في هذا القول؛ ولكنه قاله حينما رأى ألا حول له ولا قوة في هذا اليوم: فركن إلى الفرار، وولى الأدبار


الصفحة التالية
Icon