﴿أَلا إِنَّهُمْ﴾ وصف للمنافقين ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ أي يطوون قلوبهم على عداوة المؤمنين وبغضهم. أو المراد: ينصرفون ويعرضون عن سماع الحق ﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾ أي من الله؛ ظناً منهم أنه تعالى لا يرى سرائرهم، أو ﴿لِيَسْتَخْفُواْ﴾ من الرسول ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ يتغطون بها؛ كراهة استماع كلام الله تعالى. وهذا كقول نوح عليه الصلاة والسلام ﴿جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ﴾ والله تعالى ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بما حوته القلوب
﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ﴾ الدابة: كل ما يدب على وجه الأرض؛ من إنسان وحيوان وطائر ﴿إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ تكفل به تعالى لكل ذي روح؛ فانظر - يا رعاك الله - كيف يرزق مولاك الطير في الهواء، والسمك في الماء، والدودة في الصخرة الصماء وانظر إلى رزقه للإنسان، رغم أنه دائب العصيان، دائم الكفران فإن الأسماك في البحار لتكاد تلقي بنفسها بين يديه؛ ليملأ بها شدقيه والطير يهجر أوطانه، ويترك أخدانه، وينتقل من بلد فيه نشأ، وفي أرضه درج؛ فيسبح في الهواء آلاف الأميال؛ ليلقي عصا الترحال، على مائدة بني الإنسان؛ وبعد ذلك فإن هذا الإنسان - بعد موته - يكون طعاماً لغيره مما خلق الله تعالى من الدواب التي تكفل برزقها، وضمن حياتها حتى تنتهي آجالها. فأي نظام هذا الذي وضعه العلي القدير، ونظمه الحكيم الخبير؟ هو بعد ذلك ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ أي مستقر كل دابة خلقها ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ والمستقر: موضع القرار؛ من مكان، أو مسكن في الأرض. والمستودع: مكانها في الصلب والرحم، أو مكانها في الأرض حين تدفن بعد موتها ﴿كُلِّ﴾ من الدواب، والرزق، والمستقر، والمستودع ﴿فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ بين وهو اللوح المحفوظ
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ وما فيهما ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾
ليختبركم ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فيجزي عليه الجزاء الأوفى ﴿وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ﴾ ومجزيون على أعمالكم ﴿لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ﴾ أي ما هذا القرآن المحتوي على ذكر البعث ﴿إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ بيِّن السحر واضحه. وقرأ حمزة وعلي ﴿سَاحِرٌ﴾ ويكون المراد به الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه. والساحر: الكاذب المبطل
﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ﴾ مدة من الزمن ﴿لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ أي ما يمنع العذاب من النزول؟ ﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ﴾ العذاب ﴿لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ﴾ أي لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع ﴿وَحَاقَ﴾ نزل ﴿بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤونَ﴾ من العذاب ويقولون: «ما يحبسه»
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ نعمة وفضلاً ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ امتحاناً له ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ﴾ قنوط من رحمة الله تعالى ﴿كَفُورٌ﴾ به
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ
-[٢٦٤]- نَعْمَآءَ﴾
غنى وسعة ﴿بَعْدَ ضَرَّآءَ﴾ فقر وشدة ﴿مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾ أي انقطع الفقر والضيق ﴿إِنَّهُ﴾ عندئذ ﴿لَفَرِحٌ﴾ فرح بطر وكبر؛ لا فرح نعمة وشكر ﴿فَخُورٌ﴾ على الناس، متكبر عليهم، مستهين بهم


الصفحة التالية
Icon