﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ أوثقه وأصدقه ﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ﴾ أي قبل نزول القرآن عليك ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ عن هذا القصص وعن هذا الهدي وقد شرع تعالى في ذكر بعض هذا القصص؛ قال تعالى
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ﴾ يعقوب ﴿يأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ﴾ في المنام ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ فعلم يعقوب أن لابنه يوسف شأناً كبيراً
﴿قَالَ﴾ له ﴿يبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ﴾ هذه ﴿عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ فتدركهم الغيرة منك، والحقد عليك، والحسد لك ﴿فَيَكِيدُواْ لَكَ﴾ بالدس والوقيعة والإذاية ﴿كَيْداً﴾ كبيراً ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ بين العداوة لسائر بني الإنسان؛ فلا يفتأ يوقع العداوة بين الخلان، والبغضاء بين الإخوان
﴿وَكَذلِكَ﴾ كما أكرمك ربك وأعزك بهذه الرؤيا المحققة ﴿يَجْتَبِيكَ﴾ يختارك ويصطفيك ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ أحاديث الأمم الغابرة، والكتب السابقة، واستنباط الحقيقة، وتحري أدلة التوحيد؛ وهذا جميعه من إرهاصات النبوة ومقدماتها. وقيل: «تأويل الأحاديث» تعبير الرؤيا ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ بالنبوة؛ وجميع ذلك من تأويل رؤيته التي رآها ﴿وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾ أولاده ﴿كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ﴾ جديك؛ لأن إبراهيم: أبو إسحاق، وإسحاق: أبو يعقوب والد يوسف عليهم الصلاة والسلام. وإتمام النعمة المقصود في هذه الآية: هو النبوة
﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ﴾ عظات ﴿لِّلسَّائِلِينَ﴾ الذين يتحرون ما في القصص من عبر، وما في السير من عظات.
هذا وفي قصص القرآن الكريم ما فيه من بليغ الحكم، وروائع السير، ولفت الأنظار إلى ما فيه الاعتبار والاستبصار وفي قصة يوسف عليه السلام - وما كان من شأنه وشأن إخوته - آيات للمتوسمين
﴿إِذْ قَالُواْ﴾ أي قال بعض إخوة يوسف للبعض الآخر ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ﴾ الشقيق بنيامين ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ جماعة قوية ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ﴾ خطإ
﴿اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً﴾ بعيدة. قالوا ذلك القول حين رأوا استئثار أخويهما بحب أبيهما، وتفضيله لهما عليهم جميعاً؛ في حين أنهم يرون أنفسهم أجدر بذلك الحب، وأولى بهذا التفضيل؛ لأنهم الرجال الأشداء الأقوياء
ووجه العظة: أنه يجب على الآباء عدم إيثار بعض الأبناء على بعض في الحب والقرب؛ ففي ذاك إيغار الصدور، وإشاعة البغضاء: وداعية لوقوع بني الإنسان، بين براثن الشيطان.
-[٢٨١]- ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ بأن يقبل عليكم، ولا يلتفت إلى غيركم