﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ رفقة سائرون ﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ الذي يبحث لهم عن الماء، ويرده ليستقي لهم ويدلهم عليه. فوجد الجب ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ فيه؛ فتعلق يوسف في الدلو ﴿قَالَ﴾ الوارد لما رأى يوسف في الدلو ﴿يبُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ﴾ وذهب به إلى صحبه؛ ففرحوا به ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي أخفوه في متاعهم ليتاجروا فيه كالبضاعة
﴿وَشَرَوْهُ﴾ أي باعوه. يقال: شراه يشريه: إذا ملكه، أو باعه، كاشتراه ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾
قليل حقير
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي أكرمي مقامه عندنا ﴿وَكَذلِكَ﴾ إشارة إلى إنجاء يوسف، وعطف قلب الذي اشتراه عليه ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ﴾ جعلنا له مكانة فيها، وسلطاناً عليها ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ تصديقاً لقول أبيه يعقوب: ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾ ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ أي على أمر نفسه؛ لا يعجزه شيء أراده؛ وإنما يقول له: كن؛ فيكون ويحتمل أن يعود الضمير إلى يوسف عليه السلام؛ أي والله غالب على أمر يوسف؛ يحوطه بعنايته وكلاءته وحفظه ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك
﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾ يوسف ﴿أَشُدَّهُ﴾ كمال قوته وشدته؛ وهو من ثماني عشرة إلى ثلاثين، وهو أيضاً بلوغ الحلم. أو هو إلى الأربعين: حيث تكون النبوة؛ بدليل قوله تعالى: ﴿حُكْماً وَعِلْماً﴾ حكمة ﴿وَعِلْماً﴾ فقهاً في الدين ﴿وَكَذلِكَ﴾ مثل ما آتينا يوسف من الحكمة والعلم ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ الذين يحسنون أعمالهم كما أحسن يوسف، ويعفون أنفسهم كما أعف
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ امرأة العزيز: والمراودة: الإرادة برفق ولين ﴿وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ﴾ عليه معها ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ أي هلم؛ فلما رأى منها ما رأى ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾ أن أخون من أكرمني وآواني ﴿إِنَّهُ رَبِّي﴾ أي سيدي ومالكي، والمقصود به عزيز مصر، أو أراد به الله تعالى ﴿أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ أحسن إقامتي؛ فلا أخونه في أهله، وإذا كان المراد به الله تعالى: كان معنى «أحسن مثواي» أي أحسن إقامتي في هذه الدنيا؛ إذ أنجاني من الهلاك المحقق، وأكرمني بحب مخلوقاته لي وعطفهم عليَّ؛ فلا أعصيه بأقبح ما يعصى به


الصفحة التالية
Icon