﴿قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ في منامكما كالعنب والخبز الذي رأيتماه ﴿إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا﴾ أخبرتكما ﴿بِتَأْوِيلِهِ﴾ بما يؤول إليه رؤية ذلك. ﴿قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا﴾ تأويله. وقد يكون المعنى: «ترزقانه» أي تطعمانه «إلا نبأتكما بتأويله» أي بما يؤول إليه ذلك الطعام من عناصر وأخلاط. وأن يكون يوسف عليه السلام قد منحه الله تعالى - من جملة ما منحه - علم خواص الأغذية ﴿ذلِكُمَا﴾ العلم الذي ذكرته ﴿مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ وأفاضه عليَّ ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ لا يؤمنون بالبعث. قال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ قيل: إن يوسف عليه السلام علم مكروه الإجابة على أحدهما؛ فحاول أن يتكلم في موضوع آخر ليصرفهما عما طلباه من تأويل رؤياهما فلم يدعاه بل ألحا عليه؛ فعدل أيضاً عن إجابتهما قائلاً
{يصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} فلم يدعاه حتى يعبر لهما ما رأياه؛ فلم يستطع مخالفتهما.
وقد تدرج عليه السلام في دعوتهم وإلزامهم الحجة؛ بأن بين لهم أولاً رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة المتعددة، ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها: لا تستحق الألوهية والعبادة، ثم نص على ما هو الحق القويم، والدين المستقيم؛ الذي لا يقبل العقل غيره، ولا يرتضي العلم سواه؛ ثم شرع في إجابتهما؛ فقال
﴿يصَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ أي يا صاحبي في السجن ﴿أَمَّآ أَحَدُكُمَا﴾ الذي رأى في منامه أنه يعصر خمراً ﴿فَيَسْقِي رَبَّهُ﴾ أي سيده ﴿خَمْراً﴾ في اليقظة؛ أي سيكون من خاصته الذين أعدهم لسقياه
-[٢٨٦]- ﴿وَأَمَّا الآخَرُ﴾ الذي رأى في منامه أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه ﴿فَيُصْلَبُ﴾ في اليقظة ﴿فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ﴾ وكأنه عليه السلام قد تألم من ذكر ما يؤلم؛ فقال آسفاً ﴿قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ والذي حاولت جاهداً أن أستقيل من الإجابة عليه، فلم تمكناني.