﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ﴾ تأكد ﴿أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا﴾ وهو الساقي؛ قال له: ﴿اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾ أي اذكرني عند سيدك الملك حين تلقاه ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ أي أنسى الشيطان يوسف من أن يطلب من ربه الخلاص من السجن؛ ولجأ - ناسياً - إلى العبد العاجز الفاني؛ فكان جزاءه أن لبث ﴿فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ البضع: بين الثلاث إلى التسع
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ لجلسائه ﴿إِنِّي أَرَى﴾ أي رأيت في المنام ﴿سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ أي مهازيل
﴿قَالُواْ أَضْغَاثُ﴾ أي تخليط في الرؤيا؛ وهو ما لا تأويل له؛ لصدوره عن فساد المعدة وأبخرة الطعام
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا﴾ وهو الساقي: تذكر يوسف وتأويله للرؤيا ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أي تذكر بعد مدة طويلة قول يوسف له: «اذكرني عند ربك» وقرأ ابن عباس «وادكر بعد أمه» والأمه: النسيان ﴿أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ﴾ أي أدلكم على من يؤول هذا المنام لكم ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ أي أرسلوني إلى السجن لأحضره لكم. فأرسلوه فقال ليوسف
﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ الكثير الصدق، الدائم عليه ﴿لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ﴾ فأخبرهم بما تذكره من تأويل هذه الرؤيا ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ما ينفعهم من تأويلها، أو لعلهم يعلمون فضلك وعلمك؛ فيخرجونك مما أنت فيه من الضيق
﴿قَالَ﴾ تأويل ذلك: أنكم ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً﴾ أي دائبين متوالين ﴿فَمَا حَصَدتُّمْ﴾ قطعتم من الأرض ﴿فَذَرُوهُ﴾ اتركوه ﴿فِي سُنبُلِهِ﴾ بغير دراس؛ ليحفظ ولا يتطرق إليه التلف. وبذلك يعلمنا الله تعالى في هذه القصة: الطريقة المثلى لتخزين الحبوب والمحاصيل لحفظها؛ إذ أن تركها بغير نزع سنابلها: أحفظ لها من التلف والفساد؛ وذلك بعكس منزوعة السنابل التي قد يدب فيها الفساد في عام واحد أو عامين
-[٢٨٧]- ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أي إلا ما تحتاجون لأكله فادرسوه وانزعوه من سنابله