﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ ضمه إليه، وأجلسه بجواره، و ﴿قَالَ﴾ له ﴿إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ﴾ فلا تحزن ﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي بما عمل إخوتك معنا
﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ﴾ هي ما يسقى به؛ وكانت من ذهب ﴿فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ بنيامين ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ نادى مناد ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ﴾ العير: الإبل. أي يا أهل هذه القافلة، يا أصحاب هذه الإبل ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ فدهش إخوة يوسف من توجيه هذه التهمة لهم على رؤوس الأشهاد؛ وهم منها براء قد ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ أي على المنادين بالسرقة؛ متسائلين
﴿مَّاذَا تَفْقِدُونَ﴾ وما الذي سرق منكم؟
﴿قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ﴾ صاع ﴿الْمَلِكُ﴾ والصاع: مكيال يكال به. والمراد بالصواع هنا: الكأس الذي يشرب فيه؛ لأنه سمي في الآية المتقدمة بالسقاية «جعل السقاية في رحل أخيه» ﴿وَلِمَن جَآءَ بِهِ﴾ أي بالصواع المسروق ﴿حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ مكافأة له على ضبط السارق ﴿وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ كفيل بأداء حمل البعير
﴿قَالُواْ تَاللَّهِ﴾ قسم فيه معنى التعجب ﴿لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ وما جاء بنا إلا طلب القوت
﴿قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ﴾ أي فما جزاء السارق ﴿إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾ في قولكم، وكان السارق من بينكم
﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ﴾ المسروق ﴿فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أي فهو عبد رق جزاء سرقته. وكان في شريعتهم استرقاق السارق
﴿فَبَدَأَ﴾ يوسف ﴿بِأَوْعِيَتِهِمْ﴾ أي بتفتيشها ﴿قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ وذلك تمويهاً لهم، وتغطية عليهم؛ ليشعرهم بحقيقة ما يسفر عنه وعاء أخيه أي استخرج السقاية ﴿كَذلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ أي علمناه ذلك الكيد؛ الذي استطاع به أن يأخذ أخاه، وليكون هذا سبباً في اجتماعه بأبويه.
ومن هذا يؤخذ جواز التوصل إلى الأغراض المشروعة بالحيل؛ ولو أدى ذلك إلى الكذب؛ ما توافرت المنفعة، بغير أن يترتب عليها إضرار بأحد، و ﴿مَا كَانَ﴾ يوسف ﴿لِيَأْخُذَ أَخَاهُ﴾ رقيقاً بسبب سرقة لم يرتكبها ﴿فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ سلطانه وعادته وحكمه
﴿قَالُواْ إِن يَسْرِقْ﴾ أخونا هذا
-[٢٩١]- ﴿فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ يعنون يوسف عليه السلام؛ وكان قد سرق في صغره صنماً من ذهب لجده أبي أمه؛ فكسره ﴿فَأَسَرَّهَا﴾ أخفى هذه القالة ﴿يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾ ولم يظهر التضجر والتألم. ويجوز أن يكون المعنى: فأسر يوسف في نفسه قوله: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ لسرقتكم إياي من أبيكم، وظلمكم الذي ظلمتموه لي وله ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ بما تقولون، أو بما تكذبون


الصفحة التالية
Icon