﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ انصرف وأعرض الأسف: شدة الحزن ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ وكثرة البكاء ممتلىء غيظاً وكرباً وغماً، ويكتم جميع ذلك في نفسه ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ قسم فيه معنى التعجب
﴿تَفْتَأُ﴾ أي لا تفتأ، ولا تزال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ دائماً وتذكر فقده ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً﴾ الحرض: الذي أذابه الهم والمرض، وأشرف على الهلاك وقد قلت في وصف الدنيا:
فكم لفرقتها أشفى على تلف
صب بها مولع في حبها حرض
﴿قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي﴾ حالي المؤلم ﴿وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ وحده؛ فهو القادر على الذهاب به، أو بأسبابه ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من صحة رؤيا يوسف وتحققها، واطمئناني بأن الله تعالى سيجمعني به؛ عاجلاً أو آجلاً
﴿يبَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ﴾ تجسسوا. والتحسس: في الخير، والتجسس: في الشر. وقيل: إذا تجسس لنفسه؛ يقال له: تحسس، وإذا تجسس لغيره يقال له: تجسس ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ﴾ من رحمته وفرجه فذهبوا إلى مصر
﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ﴾ أي على يوسف ﴿قَالُواْ يأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ الشدة والجوع ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ رديئة، أو قليلة ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ﴾ بالزيادة، أو برد أخينا. فأراد يوسف أن يكشف لهم عن حقيقته، وأن يعاتبهم على ما فعلوه عتاباً رقيقاً
﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ﴾ إذ تآمرتم عليه، وألقيتموه في غيابة الجب، وزعمتم أن الذئب قد أكله ﴿وَأَخِيهِ﴾ وما فعلتم بأخيه بنيامين؛ إذ صدقتم أنه سرق، وأشعتم ذلك؛ وقلتم: «إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل» فلما رأوا فعله، وسمعوا كلامه علموا أنه أخوهم؛ فقالوا:
﴿أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ﴾ نعم ﴿أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ بنيامين ﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ﴾ بإنجائي من الهلاك المحقق، وتملكي دماء الناس وأموالهم، وبتبرئة أخي من السرقة، واجتماعه بي
-[٢٩٣]- ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ﴾ الله، ويعمل لآخرته ﴿وَيِصْبِرْ﴾ على الطاعات، وعن المعاصي، وعلى المكاره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بل يجزيهم على صبرهم وإحسانهم خير الجزاء


الصفحة التالية
Icon