﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي لو أن لنا رجعة إلى الدنيا ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ﴾ أي من رؤساء الأديان؛ الذين دعونا للكفر في الدنيا، وتبرأوا منا في الآخرة
﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ أي لا تطيعوا وسوسته لكم بترك الحسنات، وفعل السيئات.
ويدخل في ذلك شياطين الإنس أيضاً؛ فمنهم من هو أشد فتكاً، وأبلغ نكاية من شياطين الجن (انظر آية ١١٢ من سورة الأنعام)
﴿مَآ أَلْفَيْنَا﴾ ما وجدنا ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ أي أولو كان آباؤهم جهالاً؛ لا يفقهون، ومجانين لا يعون؛ فهم لهم متبعون؟ فمثلهم
﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ يصيح ﴿بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً﴾ أي صوتاً يسمعه ولا يفهم معناه؛ كالبهائم تسمع صوت راعيها ولا تفهمه ﴿صُمٌّ﴾ عن سماع الحق ﴿بِكُمُ﴾ عن النطق به ﴿عُمْيٌ﴾ عن رؤيته
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أي من الرزق الحلال؛ ومتى كان الأكل حلالاً: كان العمل صالحاً ومتقبلاً وإذا شاب الحرام الرزق أو أحاطت به شبهات الكسب: فترت الهمة، ووهنت العزيمة؛ ولم يتقبل الله تعالى من عبده العبادات والطاعات، وردت عليه دعوته؛ واكتنفه الذل مع عزته، والفقر مع غناه، وخسر دنياه وأخراه؛ فليحذر المؤمن الشبهات في سائر الحالات؛ خاصة في طعامه وشرابه (انظر آية ٥٨ من سورة الأعراف) ﴿وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ فالشكر من لوازم العبادة؛ وغير الشاكر: لا يكون عابداً، ولو ظل طول دهره ساجداً. (انظر آية ١٥٢ من هذه السورة)
﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ المسفوح ﴿وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ﴾ نهانا تعالى عن لحم الخنزير؛ لما فيه من شر وضر؛ فقد ثبت أنه يحمل ميكروبات شتى تسبب أمراضاً يعسر شفاؤها ويعز دواؤها
وهذه الآية من أهم ما حرص عليه الطب الوقائي: ففي الميتة ملايين الميكروبات التعفنية والرمية، كما أن الدم هو حامل الميكروب إلى سائر الجسم؛ وقد لجأ الطب أخيراً - حينما اكتشف ذلك - إلى تحليل جزء منه فيتضح له كل ما في الجسم من أمراض؛ وهو في هذه الحال من أسرع وسائل العدوى، ولحم الخنزير: مباءة لكثير من الميكروبات، وهو العائل الأصلي للدودة الشريطية
-[٣١]- ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ أي ما ذبح للأصنام، أو ذكر عليه اسم غير اسمه تعالى ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ أي ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من ذلك المحرم؛ بسبب مجاعة مهلكة أشرف فيها على التلف؛ فله أن يأكل على ألا يتناول منه سوى القدر الذي يحفظ عليه حياته ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ على أحد؛ كأن يختطف ما يسد رمقه من إنسان آخر؛ ليس له ما يسد رمقه سوى ما اختطفه منه. أو «غير باغ» على جماعة المسلمين وخارج عليهم ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ معتد عليهم بقطع الطريق؛ فألجأه ذلك إلى الجوع المهلك المتلف؛ فليس له أن يستمتع بهذه الرخصة


الصفحة التالية
Icon