﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ﴾ يطلعوا عليكم، ويعلموا مكانكم
﴿وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أطلعنا عليهم ﴿لِيَعْلَمُواْ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي ليعلم الناس أن وعد الله تعالى بالبعث حق: لأن القادر على بعث أهل الكهف - بعد نومهم ثلاثمائة عام - قادر على بعث الخلق بعد مماتهم. وبعث الناس يوم القيامة سيكون بأجسادهم؛ وقد أقام الله تعالى الدليل على ذلك بإحياء حمار عزير قال تعالى له ﴿وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً﴾ (انظر آية ٢٥٩ من سورة البقرة) ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ أي يتنازع المؤمنون والكفار في شأنهم؛ فقال الكفار: نبني فوقهم بيعة، وقال المسلمون؛ وكانوا كثرة غالبة ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً﴾ واتخذوه فعلاً فوق كهفهم؛ وفي هذا الدليل القاطع على جواز اتخاذ المساجد فوق القبور - خلافاً لما يقول به بعض الغلاة - ولا يدفع ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم؛ قال: «لعن رسولالله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» فهو حديث - إن صح - يجب تأويله بالنهي عن السجود إلى القبور، أو الصلاة عليها؛ يدل على ذلك قوله «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» وذلك لأن الحديث لا يدفع صريح القرآن: «لنتخذن عليهم مسجداً» وعلة النهي في الحديث: أن اتخاذ القبور مساجد قد يؤدي إلى عبادة من فيها؛ كما اتخذت الأصنام من قبل
﴿سَيَقُولُونَ﴾ أي يقول المختلفون في شأن أهل الكهف وعدتهم؛ وذلك في زمن النبي ﴿رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ الرجم بالغيب: القول بالظن؛ وهو دليل على بطلان السابق، وصحة اللاحق؛ وهو قوله تعالى:
﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ ولم يقدح فيه بشيء ﴿فَلاَ تُمَارِ﴾ فلا تجادل ﴿فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً﴾ إلا جدالاً في حدود ما ظهر لك مما أنزلناه عليك ﴿وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ﴾ أي في شأن أهل الكهف ﴿مِّنْهُمْ﴾ أي من اليهود وغيرهم من المشركين
﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلِكَ﴾ الشيء ﴿غَداً﴾ أي فيما يستقبل من الزمان
﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ أن تفعله؛ فوجب إذاً الاستثناء؛ لأنك إن قلت: إني فاعل كذا. ولم تفعل؛ كنت كاذباً. أما إن استثنيت وقلت: لأفعلن كذا إن شاءالله؛ ولم يقدرك الله تعالى على فعله: كنت صادقاً ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أي اذكره إذا نسيته فعصيته، واستغفره وتب إليه والعصيان لا يكون إلا عند نسيان الله تعالى ﴿وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً﴾ أي أحسن عملاً، وأقرب منفعة وهداية
﴿وَلَبِثُواْ﴾ مكثوا
-[٣٥٥]- ﴿فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً﴾ قال بعضهم: إن مدة لبثهم في الكهف «ثلاثمائة سنين» شمسية «وازدادوا تسعاً» وهي السنين القمرية؛ لأنها تزيد ثلاث سنين في كل مائة عام. وهو قول فيه الكثير من التكلف، ويتنافى مع لغة العرب - التي جاء بها القرآن - قال الشاعر:
كانوا ثمانين وازدادوا ثمانية
يعني أنهم ثمانية وثمانون؛ ولا يعقل أن يكون مقصد الشاعر: أنهم ثمانون بالحساب الشمسي، وثمانية وثمانون بالحساب القمري والذي أراه - من صريح لفظ القرآن الكريم - أن أصحاب الكهف مكثوا في كهفهم ﴿ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ﴾ ثم بعثهم الله تعالى ﴿وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ﴾ وكان ما كان من أمرهم - الذي قصه الله تعالى على رسوله عليه الصلاة والسلام - ثم أنامهم الله تسع سنين؛ يدل عليه قوله تعالى ﴿وَازْدَادُواْ تِسْعاً﴾ ثم أماتهم بعد ذلك، وتم بناء المسجد فوقهم. وقيل: إنهم أحياء في نومهم حتى ينفخ في الصور؛ والله تعالى أعلم.