﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُم﴾ الله ﴿بِمَا كَسَبُواْ﴾ عملوا من سيئات ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ في الدنيا ﴿بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ﴾ يعذبون فيه: وهو يوم القيامة ﴿لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ﴾ ملجأ
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى﴾ أي أهلها: كقرى عاد، وثمود، وقوم لوط، وغيرهم ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ لما كفروا؛ كما كفر هؤلاء ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم﴾ لإهلاكهم ﴿مَّوْعِداً﴾ وهو إقامة الحجة عليهم، واليأس من إيمانهم
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى﴾ ابن عمران ﴿لِفَتَاهُ﴾ يوشعبن نون؛ وكان تابعاً له يخدمه، ويتلقى منه العلم ﴿لا أَبْرَحُ﴾ أي لا أزال سائراً ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ ملتقى بحر فارس والروم؛ مما يلي المشرق ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾ زماناً طويلاً
﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ أي بين البحرين ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً﴾ يعني دخل في الماء واستتر به؛ والمراد أن الحوت اتخذ سرباً في البحر لطريقه.
والسرب: الشق الطويل
﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أي جاوز موسى وفتاه ذلك المكان - الذي تسرب فيه الحوت من حيث لا يدريان - وسارا في طريقهما المرسوم، وبلغ منهما الجوع مبلغه؛ وحل وقت الغداء من اليوم الثاني لتسرب الحوت ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا﴾ والغداء: ما يؤكل في الغدوة؛ وهي أول النهار؛ وليس كما يتوهمه الأكثرون من أنه وقت الظهيرة ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾ تعباً، ومشقة، وجوعاً
﴿قَالَ﴾ له فتاه ﴿أَرَأَيْتَ﴾ أي أتذكر ﴿إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ لنستريح عليها؛ عند مجمع البحرين ﴿فَإِنِّي﴾ عند ذاك ﴿نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ أي نسيت أن أتفقده ﴿أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ أن أتذكره وأحتفظ به
﴿قَالَ﴾ له موسى ﴿ذَلِكَ﴾ الذي حدث ﴿مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ هو الذي كنا نطلبه ﴿فَارْتَدَّا﴾ رجعا ﴿عَلَى آثَارِهِمَا﴾ من حيث جاءا ﴿قَصَصاً﴾ يتتبعان طريقهما الذي أتيا منه
﴿فَوَجَدَا﴾ عند الصخرة: التي استراحا عليها، ونسيا الحوت عندها ﴿عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ﴾ هو الخضر عليه السلام ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً﴾ الرحمة: الوحي، والنبوة؛ يدل عليه قوله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ وقوله تعالى في نهاية هذه القصة؛ على لسان الخضر عليه السلام ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أي إنما فعلت ما فعلت بوحي من الله تعالى. وأكثر المفسرين على أنها - في هذه الآية التي نحن بصددها - الولاية، وكشف الحجب؛ والذي أراه ويقتضيه السياق: أنها النبوة قولاً واحداً: إذ لا يعقل أن يوجد في زمن أي نبي من هو أعلم وأحكم منه: لأن النبي - في كل زمان - خيرة الله تعالى من أهل ذلك الزمان
﴿رَشَداً﴾ أي صواباً استرشد به