﴿وَإِن جَادَلُوكَ﴾ فيما أنزل إليك ﴿فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من سوء؛ فيجازيكم عليه
﴿إِنَّ ذلِكَ﴾ المذكور؛ من إنزال الماء من السماء، وازدهار الأرض بالنماء، وتسخيره تعالى للفلك تجري بكم على الماء، وإمساكه جل شأنه للسماء، وإنشائه لمن يشاء، وإماتته بعد الإحياء، وإحيائه بعد الفناء، وإحاطة علمه تعالى بما في الأرض وما في السماء. كل ذلك ﴿فِي كِتَابٍ﴾ مكتوب في اللوح المحفوظ، ومعلوم له تعالى قبل حدوثه
﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ حجة أو برهاناً
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾ من القرآن ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ ظاهرات واضحات؛ لا لبس فيها ولا إبهام ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمُنْكَرَ﴾ الإنكار لها، والكفر بها؛ وذلك بما يبدو عليهم من الإنقباض والعبوس والكراهة ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ﴾
يبطشون ﴿بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾ أي بالمؤمنين الذين يتلون عليهم القرآن ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم﴾ أيها الكافرون المكذبون ﴿بِشَرٍّ مِّن ذلِكُمُ﴾ التكذيب، وإيذاء المؤمنين ﴿النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ﴾ أمثالكم من ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أو يكون المعنى: «قل أفأنبئكم» أيها المؤمنون «بشر من ذلكم» أي هل أخبركم بما هو شر من بطش هؤلاء الكفار، وإنكارهم لما جئتم به من الحق «النار وعدها الله» أمثالهم من «الذين كفروا»
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ تعبدون ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره من الآلهة. والمقصود بها الأصنام ﴿لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً﴾ اختار الله تعالى الذباب في التمثيل - ولو أنه أكبر من البعوض - لأن الذباب أحقر المخلوقات وأخسها، وأبغضها وأقذرها والمعنى: يا أيها الكافرون، يا أحقر المخلوقين: كيف تعبدون من دون الله ما لا يستطيع أن يخلق ذباباً ﴿وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ﴾ أي ولو اجتمع هؤلاء الآلهة، وصار بعضهم لبعض ظهيراً ولم يقف عجزهم عند عدم استطاعة خلقة الذباب فحسب؛ بل ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي لو سلب الذباب آلهتهم - التي يعبدونها - شيئاً من الطيب الذي كانوا يضمخونها به؛ لم تستطع تلك الآلهة استرجاعه منه - رغم ضعفه وحقارته - هذا وقد يتوهم أن الذباب من الأشياء المخلوقة عبثاً - بل التي يفضل عدمها على وجودها - لما تنقله من مكروبات، وما تحمله من جراثيم. لكنك لو علمت أنه يستوي في نظر الحاكم: الجلاد الذي يطيح بالرقاب، والغواص المعد للإنقاذ؛ إذ كل منهما يفعل ما أمر به: لهان الأمر. وأيضاً فإن الذباب - فضلاً عن حمله للمكروبات - فإنه خلق لإذلال المتكبرين والجبابرة: وذلك لأن الذبابة كما تقف على القمامة والقاذورات: فإنها تقف على أنف أعتى الجبابرة، وأعظم الأكاسرة حيث لا يملك دفعها، ولا يستطيع منعها؛ وأن النمروذ - على تكبره
-[٤١١]- وجبروته - سلط الله تعالى عليه بعوضة أهلكته؛ إذلالاً له، واستخفافاً بأمره، وتحقيراً لشأنه؛ فتعالى الله الملك الحق، الجبار المتكبر
﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾ الذباب ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ الأصنام التي يعبدونها. أو «الطالب» العابد الكافر: لعجزه عن حماية آلهته من الذباب «والمطلوب» الصنم المعبود: لعجزه عن حماية نفسه


الصفحة التالية
Icon