﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ خلقته ﴿وَيَخْتَارُ﴾ ما يشاء اختياره ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ أي ما كان لأحدهم أن يختار لنفسه؛ لأنه تعالى صاحب الملك، وخالقه، وحاكمه؛ وهو وحده صاحب الخيرة فيه ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي؛ أي «ويختار» الذي فيه «الخيرة» لهم والمصلحة وهذا واضح ملموس: فقد يختار الإنسان ما يضره، ويساق رغم أنفه إلى ما يسره وهذه خيرته في خليقته. وكما أنه تعالى اختار لما خلق؛ فقد خلق ما اختار: خلق تعالى أصنافاً متعددة، وأجناساً شتى، وأمماً متباينة؛ حسبما تقتضيه المصلحة، وتستوجبه الحكمة: ملائكة وشياطين، وإنساً وجناً، ووحشاً وطيراً، وبحاراً وأنهاراً، وجبالاً ووهاداً، وثماراً وأزهاراً؛ إلى ما لا نهاية لحده، ولا حد لمنتهاه؛ وليس الطاوس الجميل بأكرم عليه تعالى من الغراب الذليل، ولا الهدهد بأعز لديه من الحدأة، ولا الحمل بأحب إليه من الذئب.
وكذلك خزنة النار - وهم من هم في إنزال العذاب وإحلال النقمة - فإنهم ليسوا بدون خزنة الجنة؛ وهم من هم في إسباغ السعادة وإحلال النعمة
وكذلك ملك الموت - الذي يجلب الحزن ويأتي بالفناء - فإنه ليس بدون ملك الأرزاق الذي يأتي بالخصب والرخاء.
وجبريل الذي ينزل بالعذاب؛ ليس بدون ميكائيل الذي ينزل بالرحمة فالكل مخلوق له تعالى، دال على وحدانيته. والكل مخلوق بإرادته ومشيئته، وتدبيره وحكمته وهو وحده ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ﴾ (انظر آية ١٠٥ من سورة يوسف) ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تنزه وتقدس ﴿وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ عن إشراكهم به غيره (انظر آية صلى الله عليه وسلّم من سورة الإسراء)
﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ ما تضمره وتخفيه قلوبهم
﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى﴾ في الدنيا له الحمد في ﴿الآخِرَةُ﴾ وهو قول المؤمنين الناجين يوم القيامة «الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. الحمدلله الذي صدقنا وعده. الحمدلله رب العالمين»
﴿سَرْمَداً﴾ دائماً ﴿تَسْكُنُونَ﴾ تستريحون وتنامون
﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ أي في الليل ﴿وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ في النهار
﴿وَنَزَعْنَا﴾ أخرجنا ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً﴾ يشهد عليهم ولهم بما قالوا، وما فعلوا ﴿فَقُلْنَا﴾ للمشركين ﴿هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ على صحة معبوداتكم
-[٤٧٩]- ﴿فَعَلِمُواْ﴾ وقتذاك ﴿أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ وحده، وأن ما سواه هو الباطل ﴿وَضَلَّ﴾ غاب ﴿عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ يختلقون من الآلهة والأصنام


الصفحة التالية
Icon