﴿ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ الظاهرة: حسن الخلق واستواء الأعضاء. والباطنة: حسن الخلق، والذكاء، والعلم، والمعرفة. أو الظاهرة لك: كالغنى، والعافية، والإيمان. والباطنة عنك: كالإنجاء من المكاره، ودفع الأرزاء والأسواء؛ من حيث لا تدري ولا تحتسب. ونعم الله تعالى الخفية: أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى فلو علمت أيها الإنسان، أن الحنان المنان: يسلك من بين يديك ومن خلفك من يكلؤك بإرادته، ويحفظك بمشيئته؛ لما وسعك إلا التمسك بطاعته، والتزلف إليه واذكر قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ وقوله العزيز الجليل: «ف الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين»
﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ﴾ أي يقبل على طاعته، وينقاد لأوامره ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ في عمله بالحبل المتين الوثيق؛ الذي لا انقطاع له؛ وهو دين الله المستقيم: الذي من تمسك به فاز ونجا، ونال الدرجات العلا
﴿إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ هؤلاء الكفار ﴿فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ﴾ ونجزيهم عليه: جحيماً، وعذاباً أليماً ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بمكنوناتها
﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً﴾ في الدنيا؛ لأن زمنها قصير وإن طال ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ﴾ نلجئهم ﴿إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ قاس، شديد
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ عن خلقه ﴿الْحَمِيدُ﴾ مستوجب الحمد: المحمود في صنعه
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ﴾ أي لو أن سائر شجر الأرض؛ تحولت فروعه وأغصانه إلى أقلام يكتب بها ﴿وَالْبَحْرُ﴾ الذي لا يحد حده، ولا يبلغ أمده ﴿يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ تماثله في العمق، والسعة، والعظم؛ وصارت مياه هذه البحار مجتمعة مداداً؛ تستمد منه هذه الأقلام، وتكتب كلمات الله تعالى: لنفدت هذه الأبحر، ونضب ماؤها؛ و ﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ وليس المراد بالكلمات في هذا المقام: الكلام المكون بالنطق، المؤلف بالحروف؛ وإنما أريد بها نتائجها؛ وهي النعم الجزيلة، والمنن العظيمة، والصفات الباهرة، والآيات الظاهرة؛ فإن كلا من هذه لو وقف عليه إنسان صافي الذهن، صحيح الفكرة، طلق اللسان، واضح البيان؛ لما وسعته أشجار الأرض أقلاماً، وبحورها مداداً ولو تضاعفت هذه الأشجار، وتلكم البحار؛ أضعافاً مضاعفة (انظر آية ١٠٩ من سورة الكهف) ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ في ملكه؛ غالب لا يغلب ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يخرج شيء عن علمه وحكمته
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الْلَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الْلَّيْلِ﴾ أي يدخل الليل في النهار، والنهار في الليل؛ وذلك بزيادة الليل شتاءاً ونقصه صيفاً
-[٥٠٣]- ﴿كُلُّ﴾ من الشمس والقمر ﴿يَجْرِي﴾ في فلكه بأمر ربه تعالى ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو انتهاء الدنيا، وقيام الساعة