﴿وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ﴾ أي من بعد موته ﴿مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ﴾ لقتالهم وإهلاكهم
﴿إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ صاحها عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام. والصيحة: العذاب؛ أو هي مقدمة لكل عذاب ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ ميتون
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ﴾ الأمم ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ هو رد على من يقول بتناسخ الأرواح، ورجوعها إلى أبدان غير أبدانها
﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ﴾ وما كل إلا جميع ﴿لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ يوم القيامة؛ فنعذب من كفر بكفره
﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ﴾ علامة دالة على البعث، ويسر الإعادة ﴿الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ الجدبة، التي لا تنبت ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ بالنبات ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً﴾ كالقمح، والذرة، والفول، والعدس، وما شاكلها
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ (انظر آية ٢٦٦ من سورة البقرة)
﴿لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ﴾ أن ثمر النخيل والأعناب، وما تنتجه البساتين من فاكهة وثمار ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ «ما» نافية. أي «ليأكلوا من ثمره» الذي صنعته لهم بقدرتي، وأسبغته عليهم بفضلي، ولم ينالوه بعمل أيديهم؛ فكم من أرض خصبة: اختصها الإنسان بالحرث والبذر، واصطفاها بالسقي والري؛ فأصبحت بفضل التفاته لها، وعنايته بها جدبة ممحلة ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي؛ أي «ليأكلوا من ثمره» وليأكلوا أيضاً من الذي «عملته أيديهم» من شتى الأصناف والأنواع: حلاوات وأطعمة، وأدهان وأدوية، وغير ذلك؛ وكله مستخرج من الثمر، الذي خلقه بارىء البشر؛ من حدائق ذات بهجة، ما كان لهم أن ينبتوا شجرها «رزقاً للعباد»
﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَق الأَزْوَاجَ﴾ الأصناف والأنواع؛ باختلاف الألوان، والطعوم، والأشكال، والأحجام ﴿وَمِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أي ومن أنفسهم أيضاً خلق تعالى أزواجاً: ذكراناً وإناثاً، طوالاً وقصاراً سماناً وعجافاً، بيضاً وسوداً، حمراً وصفراً ﴿وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ﴾ من مخلوقاته تعالى في البر والبحر، والأرض والسماء ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ﴾ علامة دالة على قدرتنا، وعظمتنا، ووحدانيتنا ﴿الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ أي نفصله وننزعه منه
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي﴾ في منازلها ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ وهو أبعد منازلها؛ ثم تعود إلى أدناها. أو المراد بذلك يوم القيامة؛ حيث يكورها الرحمن؛ فتسكن عن الجريان ورووا عن ابن عباس، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما قراءة «والشمس تجري لا مستقر لها» والإجماع على بطلانها؛ لمخالفتها رسم المصحف الإمام. وشمسنا هذه التي نراها، والتي تضيء الكون بمحياها: إن هي إلا واحدة من شموس لا يعلم مداها. وهذه الشموس لا تقل عن أربعين مليوناً: حساباً وعداً. ومن هذه الشموس
-[٥٣٩]- ما يزيد في الحجم عن شمسنا هذه أربعين ضعفاً، ويربو في الضوء والحرارة عن ذلك. وبعض هذه الشموس يرى في الفضاء كالذرة الصغيرة؛ لبعده عنا بعداً سحيقاً؛ فقد سجلوا أن الشعرى اليمانية - وهي تبدو كأصغر نجم في السماء - تبعد عن الأرض بحوالي اثنين وخمسين بليوناً من الأميال، وأنه لولا هذا البعد السحيق: لذابت الأرض بما فيها ومن فيها من حرارتها
وحول هذه الشموس - التي لا تحد ولا تعد - كواكب كثيرة تدور في فلكها؛ كما تدور أرضنا هذه في فلك شمسنا؛ وما يدرينا ما في هذه الشموس، وهذه الكواكب من مخلوقات، وما تحتويه من كائنات؛ لا يعلمها سوى خالقها وبارئها العليم الحكيم
وشمسنا هذه - رغم ضآلتها وحقارتها بجانب الشموس الأخرى - لو دنت قليلاً من الأرض: لفارت البحار والمحيطات؛ من شدة الغليان، ولتبخر ما فيها من مياه، ولانصهر أشد أنواع الصخور صلابة. فانظر - يا رعاك الله - إلى بديع صنعالله