﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ وهكذا الكفار في كل زمان ومكان: إذا ضاقت بهم الحيل، وأغلقت في وجوههم السبل: لجأوا إلى تافه القول، وفاسد الحجج، وتلاعبوا بالحقائق تلاعب الصوالجة بالأكر، ولاكوا بأفواههم الألفاظ الطنانة الجوفاء؛ فقد تهربوا من إطعام الطعام بقولهم ﴿أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ كما دافعوا - عن جهلهم وحمقهم، وعبادتهم الأحجار التي لا تضر ولا تنفع - بقولهم ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ وكما احتجوا عن كفرهم وتعنتهم بالقضاء والقدر ﴿لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا﴾.
هذا وقد لجأ الناس في آخر الزمان إلى التلاعب بالألفاظ، والتمويه بالأسماء: فسموا الفوضى: حرية. والشيوعية: عدالة اجتماعية. والظلم: عدلاً، والاستبداد: نظاماً. والشورى: ضعفاً. والرشوة: هدية. والمحاباة: صلة رحم. والإهمال: أناة. والتهور: شجاعة. والقسوة: حزماً وهكذا فسدت المقاييس، واختلت المعايير؛ تبعاً للأهواء المردية
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ بالبعث والحساب والعقاب
﴿مَا يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظرون ﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ هي نفخة إسرافيل الأولى؛ وبها يكون فناء سائر الأحياء ﴿تَأُخُذُهُمْ﴾ تهلكهم ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ يختصمون في البيع والشراء، والقضاء
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ النفخة الثانية؛ وبها يحيا كل ميت: يحيي بها الله تعالى الأموات، كما أمات بالأولى الأحياء: يعيدهم - جل شأنه - كما خلقهم أول مرة «كما بدأكم تعودون» ﴿فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ﴾ القبور ﴿يَنسِلُونَ﴾ يخرجون مسرعين
﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ﴾ بوقوعه ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ في إبلاغهم ذلك عن ربهم. وهذا القول رد من الملائكة على سؤال الكافرين ﴿مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾؟
﴿إِن كَانَتْ﴾ ما كانت ﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ يصيحها إسرافيل عليه السلام في سائر الأموات: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، والشعور المتمزقة؛ إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء وهذا معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾
﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ﴾ ما يشغلهم عن التفكر فيما عانوه في الدنيا ﴿فَاكِهُونَ﴾ متنعمون ومنه سميت الفاكهة: لما يلقاه آكلها من شعور بالنعيم، وتلذذ بالنعمة ومنه الفكاهة؛ لانبساط النفس وانشراحها بها
﴿عَلَى الأَرَآئِكِ﴾ السرر، أو الفرش
﴿وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾
-[٥٤١]- ما يتمنون