﴿الْجِيَادُ﴾ الخيل السراع
﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ أي آثرت حب الخيل حتى فاتتني صلاة العصر، وتوارت الشمس بالحجاب
﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ﴾ أي فجعل يمسح بيده على سوق الخيل وأعناقها. وهي عادة مشاهدة عند المعجبين بالخيل، المقتنين لها. أما ما ذهب إليه أكثر المفسرين: من أنه عليه السلام طفق يقطع أعناقها وسوقها بالسيف؛ لأنها ألهته عن الصلاة. فهو قول واضح البطلان؛ وإلا فأي ذنب جنته هذه العجماوات تستحق عليه التقتيل والتمثيل؟ فضلاً عما في ذلك من تلف الأموال، ونسبة الأنبياء إلى فعل السفهاء والجهال وكان في مقدوره أن يخرجها من ملكه إلى الجهاد؛ وبذلك يتم له التخلص منها؛ مع نفع هو من أجل القرب إلى الله تعالى ولم يقل أحد: إن المسح بمعنى القطع. وإلا لكان قوله تعالى ﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ أي اقطعوها. وإنما يعدل عن الظاهر: إذا اقتضت القرينة والسياق ذلك: كأن يقول: فطفق مسحاً بالسيف بالسوق والأعناق
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ ابتليناه ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً﴾ أي رزقناه ولداً ميتاً؛ وجيء به على كرسيه. قال: «قال سليمانبن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة - أو تسع وتسعين - كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيلالله. فقال له صاحبه: إن شاءالله. فلم يقل إن شاء الله فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاءالله: لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون» ولعل سليمان لم يقلها: لأنه لم يتذكرها، ولم يسمعها من صاحبه الذي وجهه إلى قولها؛ لأن الأنبياء عليهم السلام: أئمة المتوكلين المنيبين
﴿أَنَابَ﴾ رجع إلى الله تعالى، وتاب عن الانشغال عن الصلاة بما عداها، وعن عدم تقدير مشيئة الله تعالى في أموره كلها
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ أي تجري طيبة لينة حيث أراد
﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ أي وسخرنا الشياطين له: يبنون ما يريد، ويغوصون في البحر بأمره؛ لاستخراج اللؤلؤ
﴿وَآخَرِينَ﴾ من الشياطين ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ﴾ مقيدين في السلاسل والأغلال؛ إذا أتوا ذنباً، أو عصوا له أمراً
﴿هَذَآ﴾ الملك الواسع، والعلم الكبير، والتسخير العظيم ﴿عَطَآؤُنَا﴾ الذي أعطيناكه؛ استجابة لدعوتك: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي﴾ ﴿فَامْنُنْ﴾ على من شئت؛ مما أعطيناك من الملك الذي لا حدود له ﴿أَوْ أَمْسِكْ﴾ لا تعط أحداً ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي لا نسألك: لم مننت؟ ولم أمسكت؟ أو المراد: «فامنن» على من شئت من الشياطين؛ بالإطلاق «أو أمسك» دع من شئت
-[٥٥٧]- منهم في قيده وعبوديته. وهذا وقد تخبط كثير من المفسرين في تأويل هذه الآية؛ تخبطاً شنيعاً، وقال فيه قولاً لا يتفق وجلال القرآن فقال قائلهم: إن معنى قوله تعالى ﴿هَذَا عَطَآؤُنَا﴾ إشارة إلى ما أعطاه الله من القوة على الجماع، وأن «فامنن» مشتقة من المني. وهو قول بالغ غاية البذاءة والأعجب من ذلك أن ينسبوه لابن عباس - حبر الأمة، وترجمان القرآن - وعلم الله تعالى أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بريء من هذا القول وأشباهه


الصفحة التالية
Icon