﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ كفروا ﴿مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ من مال، وعقار، وأنعام ﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ﴾ أنفسهم ﴿مِن سُوءِ الْعَذَابِ﴾ بؤسه وشدته وقسوته ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ﴾ ظهر لهم من أمره، وحقيقة وجوده، وصدق وعده ووعيده ﴿مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ يحسبون، ويظنون. أو أنهم عملوا أعمالاً في الدنيا؛ وتوهموا أنها حسنات؛ فإذا هي سيئات. روي عن سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه - في هذه الآية - ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء؛ هذه آيتهم وقصتهم. اللهم باعد بيننا وبين الرياء في أعمالنا وعباداتنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا كريم
﴿وَبَدَا لَهُمْ﴾ ظهر ﴿سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ﴾ عقاب ما عملوا من الكفر والمعاصي ﴿وَحَاقَ﴾ نزل ﴿بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي عقاب استهزائهم بمحمد وبكتابه
﴿فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ﴾ مرض، أو فقر ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً﴾ أعطيناه غنى وصحة؛ تفضلاً منا ﴿قَالَ﴾ لمزيد كفره، وانعدام شكره ﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ مني بوجوه التجارات والمكاسب، أو على علم من الله باستحقاقي لذلك. قال تعالى: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ أي بل تخويلنا إياه النعمة؛ إنما هو امتحان له واختبار؛ لنرى أيشكر أم يكفر؟
﴿قَدْ قَالَهَا﴾ أي قال مثل هذه القالة ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ كقارون؛ حين قال: ﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ﴾ أي عقوبة هذه السيئات التي ارتكبوها: فخسف بقارون الأرض ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أشركوا، وقالوا مثل هذا القول ﴿مِنْ هَؤُلاَءِ﴾ الموجودين ﴿سَيُصِيبُهُمْ﴾ أيضاً ﴿سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ﴾ كما أصاب ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين عذابنا
﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ﴾ يوسع ﴿الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ﴾ من عباده؛ بغير ما سبب: من علم، أو ذكاء، أو حنكة، أو دراية ﴿وَيَقْدِرُ﴾ يضيق على من يشاء؛ ولو كان من أعلم العلماء وأحكم الحكماء فقد يعطي الجاهل، ويمنع العالم، ويعطي الخامل، ويمنع العامل؛ فهو - جل شأنه، وتعالى سلطانه - الخالق الرازق؛ وهو وحده يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، يتصرف في ملكه كما يريد؛ لا كما يريد العبيد ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾
هو الحاكم ﴿لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الإعطاء والمنع، والبسط والتضييق ﴿لآيَاتٍ﴾ دالات على وجوده تعالى وقدرته، وأنه وحده المعطي المانع، الخافض الرافع، الضار النافع
﴿قُلْ يعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ بارتكاب المعاصي، واقتحام الذنوب ﴿لاَ تَقْنَطُواْ﴾ لا تيأسوا ﴿مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ ومغفرته؛ فالقنوط من رحمته تعالى كفر ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ للتائب المستغفر


الصفحة التالية
Icon