﴿وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ﴾ أي اختصكم بهم
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً﴾ أي إذا بشر بالأنثى؛ لأنهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله ﴿ظَلَّ﴾ دام ﴿وَجْهُهُ مُسْوَدّاً﴾ من الحزن والحسرة ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ممتلىء غيظاً وغماً
﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي أو ينسب للرحمن من الولد من هذه صفته؟ وهو أنه «ينشأ» أي يتربى «في الحلية» أي في الترف والزينة؛ وإذا احتاج إلى تقرير دعوى، أو إقامة حجة: كان ﴿فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ أي غير قادر؛ لضعف حجته، وخطل رأيه. وذلك أنهم نسبوا إليه سبحانه الولد؛ مع نسبة أخس النوعين - في نظرهم - وهو البنات؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
﴿أَشَهِدُواْ﴾ أحضروا ﴿خَلْقَهُمْ﴾ أي خلق الملائكة؛ فعلموا أنهم إناثاً كما يزعمون. أو هو من الشهادة، لا المشاهدة ﴿سَتُكْتَبُ﴾ في صحائف أعمالهم ﴿شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ عنها يوم القيامة، ويحاسبون عليها
﴿وَقَالُواْ﴾ كفراً، وعناداً، ولجاجاً ﴿لَوْ شَآءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ أي لو أراد الله أن يمنعنا عبادة الملائكة لمنعنا. وهي كلمة حق أريد بها باطل؛ إذ أن الله تعالى لو شاء أن يؤمن الناس جميعاً لآمنوا، و ﴿لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً﴾ وإنما يكون ذلك الإيمان، وتلك الهداية على سبيل القسر والإلجاء. وقد هدى الله تعالى الناس جميعاً بخلق العقول والأفئدة، وبعث الرسل، وإنزال الكتب؛ فمنهم من استجاب لداعي مولاه: فحباه واجتباه، ومنهم من استحب الغواية على الهداية، واختار الكفر على الإيمان؛ فاستوجب الحرمان والنيران قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي ما لهم من علم بمشيئة الله تعالى وإرادته؛ حتى يتبعوها، ويحتجوا بوقوعها ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون
﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ﴾ أي قبل القرآن؛ قلنا فيه بعبادة الملائكة، أو بيّنا فيه مشيئتنا لذلك ﴿فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ أي بهذا الكتاب
﴿بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ على دين.
والأمة: الطريقة التي تقصد، ومنه الأمام
﴿وَكَذَلِكَ﴾ مثل الذي حدث من قومك؛ من احتجاجهم بهذه الحجج الواهية الواهنة: احتج الأمم السابقة على رسلهم؛ و ﴿مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ﴾ ينذرها غضب الله تعالى، ويخوفها عقابه ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ﴾ متنعموها، مثل قول هؤلاء ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ ملة وطريقة
﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد مقنعاً ومتلطفاً ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى﴾ بدين أهدى ﴿مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾ وهنا يظهر عنادهم، وتتضح نواياهم وخفاياهم؛ ويقولون: ﴿إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أنت ومن سبقك من الأنبياء ﴿كَافِرُونَ﴾ لا نؤمن به؛ ولو ظهرت صحته، وبانت هدايته؛ وأصروا على عبادة الأصنام،
-[٦٠١]- دون الملك العلام؛ فهل بعد هذا يجوز لمثلهم أن يقول: ﴿لَوْ شَآءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ لقد بطلت حجتهم، وسقطت معذرتهم؛ واستوجبوا الجحيم؛ والعذاب الأليم