﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ الضمير للعذاب ﴿عَارِضاً﴾ العارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء ﴿مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي متجهاً إليها ﴿قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ﴾ سحاب ﴿مُّمْطِرُنَا﴾ بعد محل، ومخصبنا بعد جدب. فقيل لهم: لا. ليس الأمر كما توهمتم ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ﴾ من العذاب؛ وما هو إلا ﴿رِيحٌ﴾ عاتية ﴿فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قيل: القائل لذلك هود عليه السلام؛ يؤيده قراءة من قرأ: قال هود ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ﴾
﴿تُدَمِّرُ﴾ تهلك ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ مرت عليه ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ بقدرته وإرادته ﴿فَأَصْبَحُواْ﴾ بعد نزول العذاب بهم هلكى ﴿لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ﴾ لتدل على ما حل بساحتهم. وذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بمساكنهم: أجسادهم؛ بعد أن خلت من أرواحهم
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ المكانة: المنزلة والتمكن. أي ولقد مكناهم فيما لم نمكنكم فيه أو ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ لفجرتم أكثر من فجوركم، ولطغيتم أكثر من طغيانكم ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً﴾
كسمعكم ﴿وَأَبْصَاراً﴾ كأبصاركم ﴿وَأَفْئِدَةً﴾ قلوباً كقلوبكم، وعقولاً كعقولكم ﴿فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ﴾ أنهم قد أصموا أسماعهم عن الاستماع إلى الهدى، وأعموا أبصارهم عن رؤية الحق، وأقفلوا قلوبهم عن تفهم الإيمان؛ و ﴿كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ينكرون حججه البينات، ودلائل قدرته الظاهرات ﴿وَحَاقَ﴾ نزل ﴿بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤونَ﴾ وهو العذاب الذي كانوا ينكرون حدوثه
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ الْقُرَى﴾ أي أهلكنا أهلها: كعاد وثمود، وقوم لوط، ونحوهم؛ مما كان يجاور بلاد الحجاز، وأخبارهم متواترة ذائعة عندهم ﴿وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ﴾ بينا الحجج والعظات والدلالات، وكررناها عليهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن كفرهم
﴿فَلَوْلا﴾ فهلا ﴿نَصَرَهُمُ﴾ أي دفع العذاب عن أهل هذه القرى المهلكة ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره ﴿قُرْبَاناً آلِهَةَ﴾ معه؛ وهم الأصنام؛ لأنهم كانوا يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ ﴿بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ﴾ غابوا عنهم، وعن نصرتهم؛ عند نزول العذاب ﴿وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ﴾ كذبهم. والإفك: أسوأ الكذب
﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ﴾ أملناهم إليك. والنفر: ما دون العشرة. وكانوا من جن نصيبين باليمن - وهي قاعدة ديار ربيعة - أو جن نينوى ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ﴾ أي حضروا مجلس الرسول وقت تلاوة القرآن ﴿قَالُواْ﴾ لبعضهم ﴿أَنصِتُواْ﴾ اسكتوا؛ لنستمع لما يتلى ونتفهمه ﴿فَلَمَّا قَضَى﴾ أي فرغ الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه من القراءة ﴿وَلَّوْاْ﴾ انصرفوا مسرعين
-[٦٢١]- ﴿إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ مخوفين لهم بالعذاب الذي سمعوه، والذي أعده الله تعالى لمن يكفر به، ولا يصدق بكتابه. قالوا لقومهم


الصفحة التالية
Icon