﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة واضحة، وبرهان ظاهر. وهو المؤمن ﴿كَمَن زُيِّنَ﴾ زينت ﴿لَهُ﴾ نفسه وشيطانه ﴿سُوءُ عَمَلِهِ﴾ وهو الكافر ﴿وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ولم يتبعوا ربهم
﴿مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ غير متغير الطعم، أو الرائحة، أو اللون؛ كماء الدنيا ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾ أي ليست كخمر الدنيا: رديئة الطعم، شنيعة الرائحة ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ لا تشوبه شائبة. قد يقول قائل: وما لذة تناول العسل لمن لا يتقبله في الدنيا؛ أو لا يطيق الإكثار منه؟ والجواب على ذلك: أن الله تعالى ساق لعباده في جنته كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين؛ وقد تعاف بعض النفوس ما يشتهى، وتتأذى بعض العيون بما يتلذذ به:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
وحينما تشتفي النفوس من أمراضها، والأعين من أرمادها؛ فإنها تعود إلى طبيعتها السليمة: فتشتهي ما يشتهى، وتلذ بما يتلذذ منه. والعسل من أفضل أنواع الحلوى: مذاقاً، ولوناً، وريحاً، ونفعاً ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ والمغفرة خير من سائر النعيم وهذا مثل المؤمن وما يلقاه من كرم مولاه أما مثل الكافر ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ أي أمن هو خالد في النعيم المقيم؛ كمن هو خالد في العذاب الأليم؟ ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً﴾ بالغاً نهاية الحرارة
﴿وَمِنْهُمْ﴾ أي من الكفار والمنافقين ﴿مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ حين تقرأ القرآن، أو تخطب للجمعة، أو تعظ المؤمنين ﴿قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وممن آمن من أهل الكتاب ﴿مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾ أي ماذا قال الآن ﴿طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ غطاها عقوبة لهم؛ فلا تسمع ولا تعي
﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ﴾ بهداية الله ورسوله وكتابه ﴿زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ﴾ أي آتاهم جزاء تقواهم؛ أو ألهمهم من الأعمال ما يتقون به غضبه وناره
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظرون ﴿إِلاَّ السَّاعَةَ﴾ القيامة ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿أَشْرَاطُهَا﴾ علاماتها ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾ فكيف لهم ﴿إِذَا جَآءَتْهُمْ﴾ الساعة ﴿ذِكْرَاهُمْ﴾ تذكرهم. أي لا ينفع تذكرهم وإيمانهم بعد مجيء الساعة، أو مجيء أشراطها؛ حيث لا يقبل اعتذار، ولا استغفار
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ إشارة إلى أن العمل يكون بعد العلم؛ كما في قوله جل شأنه: ﴿اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ وقال بعد ذلك ﴿سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾.
-[٦٢٥]- ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ﴾ سيركم وسعيكم في معايشكم ومتاجركم ﴿وَمَثْوَاكُمْ﴾ مأواكم إلى مضاجعكم بالليل. أو «متقلبكم» أعمالكم في الدنيا «ومثواكم» جزاءكم في الآخرة. والمعنى أنه عالم بجميع أحوالكم، لا يخفى عليه تعالى شيء منها


الصفحة التالية
Icon